كابول – يرفض الغرب فتح قنوات تواصل مباشرة مع طالبان كطرف منتصر في الحرب، لكنه يريد الحفاظ على علاقة معها بشكل من الأشكال تسمح له بالحفاظ على مصالحه وعدم ترك أفغانستان على طبق من فضة لفائدة الصين. ولحل هذه العقدة يراهن المسؤولون الغربيون على دور قطر التي هي الآن أكثر من وسيط لدى طالبان وأقل من شريك كامل لها. ورغم استمرار التصريحات التي تحذّر من تشدد طالبان وخطرها على حريات الأفغان وأوضاع النساء فإنّ ذلك لا معنى له على الأرض. ولا يخفي الأميركيون، وكذلك الأوروبيون، رغبتهم في البقاء في أفغانستان. ويعتقد المراقبون أن الحديث عن “شروط صارمة” يتوجّب على طالبان أن تستجيب لها مقابل فتح قنوات التواصل معها أسلوب مخاتل هدفه رفع الحرج أمام الرأي العام الغربي ليس أكثر، وأن الاتجاه الآن هو الحفاظ على المصالح بقطع النظر عن التزام طالبان بحقوق الإنسان أو عدم اِلْتزامها. ويشير المراقبون إلى أن الغرب لم يسبق أن قطع علاقاته مع دولة من أجل موضوع حقوق الإنسان، وأن أقصى ما يفعله هو تسليط عقوبات عليها والاستمرار في العلاقة معها ما دامت مصالحه تقتضي ذلك. ولم يخف ينس ستولتنبرغ، أمين عام حلف شمال الأطلسي، استعداد الحلف للاعتراف الدبلوماسي بطالبان، وأن الأمر “سيكون موضع نقاش بين الشركاء في الحلف لكن سيعتمد على أفعال الحكومة”. من جانبه أعلن منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة أن التكتل سيتعامل مع حركة طالبان في أفغانستان بشروط صارمة. وخلال مؤتمر صحافي قال بوريل إن هذا التعامل “سيزداد اعتمادا على سلوك الحكومة، مثل عدم استخدام أفغانستان قاعدة لتصدير الإرهاب إلى دول أخرى، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ووسائل الإعلام”. Thumbnail وفي الوقت الذي كانت فيه دول حلف شمال الأطلسي تسحب قواتها على عجل خوفا من انتصار طالبان ظلت المنظمات الإنسانية -التي تلعب دائما أدوارا مزدوجة إنسانيا واستخباريا- في مكانها. وأعلنت بعض تلك المنظمات أنها لا تَنْوِي تخفيف وجودها ونشاطها، وهو ما سيمكّنها من لعب دور ما في العلاقة مع طالبان قد يمهد لتواصل أرفع. ونجحت طالبان في استثمار ارتباك الغرب حين أكدت مَيْلها إلى الصين. وتعمّد قياديون بارزون في الحركة الإشادة ببكين. وذكر المتحدث الرئيسي باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد في مقابلة مع صحيفة “لا ريبابليكا” الإيطالية أن استثمارات من الصين ستكون “أساسية” للمساعدة على إعادة بناء أفغانستان ودعم اقتصادها. وقال مجاهد للصحيفة إن “الكثير من الدول -بما فيها الصين- أظهرت اهتماما بالاستثمار في أفغانستان”، حسب ما أوردته الجمعة وكالة بلومبرغ. وأضاف “من المهم اقتصاديا لأفغانستان أن تكون لديها استثمارات صينية في مشروعات كبيرة لبناء بلدنا”. طالبان نجحت في استثمار ارتباك الغرب حين أكدت مَيْلها إلى الصين، وتعمّد قياديون بارزون في الحركة الإشادة ببكين ويعتقد المراقبون أن الغرب لا يمكن أن ينسحب من المشهد لمجرد أن طالبان هي التي ستقود الحكومة، خاصة في ظل وجود بدائل لديها من خلال الاقتراب من الصين وروسيا وعلاقتها المتينة مع باكستان، وأن الغربيين سيراهنون على الوسيط القطري من أجل تليين مواقف الحركة ودفعها إلى الحفاظ على مصالحهم. وكانت الولايات المتحدة أول من ساعد على ترك الباب مواربا أمام طالبان، وذلك بقبول استضافة الدوحة لبعض قيادييها ولقائهم بين الفترة والأخرى. وتطورت العلاقة لاحقا لتصبح قطر أحد المفاتيح المهمة بالنسبة إلى طالبان، فهي التي فتحت لها أبواب العلاقة مع واشنطن، وقدمت لقيادييها النصائح والتدريبات التي مكنتهم من تقديم خطاب هادئ مطمئن للخارج خاصة في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب. وباتت دول مثل فرنسا وبريطانيا تعلن أن رهانها سيكون على قطر لأجل ترشيد سلوك طالبان تجاه الغرب، وهو دور حيوي سينجح لاحقا في ترويض الحركة وتأهيلها دوليا، كما سيؤمّن للغربيين بقاء مصالحهم. وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب -في مقابلة مع الجزيرة- إن بلاده ترغب في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع حركة طالبان. وأضاف راب “لدينا قائم جديد بالأعمال في أفغانستان وهو مقيم هنا في قطر، نحن ممتنون لمساعدة السلطات القطرية لنا في ذلك، ونريد أن نتمكن من الانخراط مباشرة معهم عندما يكون الوضع آمنا للقيام بذلك”.
مشاركة :