جزر سياحية تتحول إلى مقرات لعصابات تهريب البشر في لبنان

  • 10/23/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ينطلق معظم المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط من مخيمات لاجئين في لبنان، ومن الحدود التركية - السورية، أو من سوريا نفسها، ومن الأردن. واستغلّت شبكات تهريب يأس هؤلاء لتعزيز نشاطها في المدن الساحلية اللبنانية، وفي بلدة ميناء طرابلس التي تبعد بنحو 80 كيلومترا عن بيروت، خصوصا. وعلى بعد كيلومترات قليلة من ميناء طرابلس، توجد جزر صغيرة تبعد بنحو 7 كلم عن الشاطئ، منها الرمكين والفنار والنخل. وكانت تعد هذه الأخيرة وجهة صيفية يقضي فيه سكان الميناء معظم أيام الصيف للسباحة والاستجمام، إلا أنها تحوّلت اليوم إلى مرتع من دون مراقبة لعصابات تهريب البشر. ولا تتم عمليات التهريب في الخفاء، فمن يقوم بنزهة في الصباح الباكر على طول «الكورنيش»، حيث المقاهي الشعبية، يسمع رجالا يخططون علنا لتهريب أفواج جديدة من اللاجئين إلى تركيا. ولا يقتصر نشاط التهريب على الرجال فقط، فمن النساء اللاتي يملكن مركبا من تشارك في هذه التجارة. وكانت إحداهن تتحدث مع مهربين آخرين، وهي واقفة إلى جانب سيارتها «الرانج روفر»، عن بعض تفاصيل الرحلة المقبلة والأجر الذي ستتقاضاه من كل راكب. وذكرت السيدة نفسها أنها تفضل أن تكون وجهة سفر المركب جزيرة قبرص، التي لا تبعد أكثر من 200 كلم عن الميناء، ومن هناك إلى أقرب جزر اليونان. ومن بين أهم النقط التي يتناولها المهربون على «الكورنيش» المقابل لمبنى الجامعة العربية هو تجريد اللاجئين السوريين من جوازات سفرهم والاحتفاظ بها بغية بيع وثائق سورية مزورة في وقت لاحق. كما أثار بعض المهربين مخاوف حول السقوط بأيدي السلطات، خصوصا بعد حادث غرق الصبي السوري إيلان عند الشواطئ التركية. وعن طرق تهريب البشر من لبنان، يقول الصياد محمد في مسمكة بالميناء إنها تتم بعد منتصف الليل، فالوسيط أو «السمسار» يتفق مع الراغبين في الهجرة على سعر الرحلة والوسيلة المعتمدة والوجهة النهائية، ويجمّعهم في موقع معلوم عند الشاطئ، غالبا ما يكون مقابلا للمقاهي المنتشرة على طول الكورنيش أو لمسجد الميناء أو بجانب المرفأ. ويركب هؤلاء في قوارب لنقلهم إلى جزيرة النخل أو الرمكين، حيث تنتظرهم المراكب كبيرة المجهزة بمحرك لتبدأ «رحلة الموت». ويضيف الصياد أن الكثير من السكان تحولوا إلى مهربي بشر، فكل ما يحتاجه المهرب هو قارب أو مركب ووسيط يتوغل بين اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين، الذين هربوا من سوريا، أو لبنانيين يريدون اللجوء إلى أوروبا، فتتم الصفقة. وقد يدفع المهرب ثمن المركب 10 آلاف دولار، لكنه يسترجع المبلغ بكل سهولة من خلال تنظيم رحلة واحدة. فكل راكب يكلف ألف دولار، على الأقل، وعليه دفع المبلغ قبل ركوب القارب. ويحمل القارب الواحد ما لا يقل عن 30 راكبا في كل مرة. وفي حال تعرض المركب إلى حادث أو عاصفة، فيستغني المهرب عنه بكل سهولة لأنه استرجع ثمنه أضعافا وفق ما أكده الصياد محمد. وشهدت «الشرق الأوسط» إحدى عمليات التهريب الليلية، تمّت بعد منتصف ليلة الـ23 من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وكانت مقابل «ساحة السمك». تدافع قرابة مائة شخص، بينهم نساء وأطفال ورجال، للركوب على متن قاربين، ولم يحملوا معهم من الأمتعة إلا القليل. وكان لدى معظمهم هواتف جوالة. توجّهوا من الميناء إلى جزيرة النخل، ليتابعوا من هناك رحلة إلى المجهول. وحيال التدفق الهائل للاجئين إلى أوروبا، قال أحد السياسيين اللبنانيين، فضل عدم ذكر اسمه، في حديث مع «الشرق الأوسط» إن الاتحاد الأوروبي ضغط على الحكومة اللبنانية من أجل مراقبة عمليات التهريب التي سمحت لسيول بشرية بالتوافد إلى أوروبا، وألمانيا تحديدا. وأصدرت جراء ذلك إجراء يثير الاستغراب. فبدلا من تنشيط نقطة بحرية للجيش اللبناني، أو إرسال دوريات لخفر السواحل اللبنانية لمراقبة حركة المراكب التي تنقل اللاجئين ليلا، أو تحرك سفن المراقبة التابعة للقوات الأوروبية المرابطة في مياه المتوسط لمنع تهريب البشر، قررت الاعتماد على أجهزة «رادار» تكشف أي نوع من التحركات المشبوهة. كما فرضت على أصحاب المراكب السياحية الكشف عن لائحة بأسماء الركاب الذين ينقلونهم إلى الجزر القريبة، مثل البلان والرملية، عند نقطة تفتيش للجيش اللبناني في المرفأ. ويتم ذلك خلال رحلتي الذهاب والإياب للتأكد من أن كل من غادر الميناء باتجاه الجزر للاستجمام قد عاد، كما يفرض على كل راكب إبراز هويته الشخصية. ويوضّح المصدر ذاته أنه «لم يعد أي جانب يلتزم بهذا الإجراء بعد فترة قصيرة من إقراره». في سياق متصل، أشار السياسي إلى أن اللاجئين السوريين في لبنان الواردة أسماؤهم في لوائح الوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين، الذين يتلقون مساعدات بشكل منتظم، لا تشطب أسماؤهم إذا ما غادروا. فيحتفظ القائمون على توزيع هذه المساعدات مالية بقسط الغائبين، وأصبحوا يشكلون شبكات إجرامية، إذ إن لا أحد يعرف من غادر المخيم أو من مات غرقا في البحر.

مشاركة :