الإنسان على جناح سفر عن هذه الدنيا الفانية إلى الدار الباقية، ولا بد للمسافر من زاد، وليس ثمة زاد أنفع من زاد التقوى، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، فليكن الإنسان من هذه الدنيا على وعي واستعداد وحذر، فجديدها بال، ونعيمها زائل، وسرورها مكفهر، إن على الإنسان كما يعمل لحياته ورزقة في الدنيا، يرهق نفسه من أجل ذلك يتعب يكد ويشقى، ويحاول باستماتة أن يمسك الدنيا من أطرافها، عليه أن يعمل لآخرته أيضًا بالقدر والجهد والنشاط، إن ديننا الإسلامي الحنيف دين وسطي يجمع بين العمل للدنيا والعمل للآخرة في توافق وتناسق، فلا يفوت الإنسان دنياه لينال آخرته، ولا يفوت آخرته لينال دنياه، {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. إن الإنسان الذي يقبل على الدنيا ويترك الآخرة بالتأكيد يعيش في قلق وشك وحيرة، لأن القلب عند ذلك يصبح خاويًا، والروح نائمة، والنفس قلقة، عكس الذي يقبل على الدنيا والآخرة في آن، فهو في سعادة دائمة وفرح وسرور، وسكينة نفس واطمئنان روح. إن الرغبة في الآخرة لا تعني إهمال الدنيا وتركها بلا جهد ولا عمل، ولا تحسين ولا إصلاح، وإنما الدنيا مزرعة الآخرة، إن الدنيا لها وظيفة، والآخرة لها وظيفة، وكلاهما مكمِّل للآخر، لكن الدنيا وما فيها من نعيم بالنسبة للآخرة كالقطرة بالنسبة للبحر، وما في الدنيا من مباهج وزخارف، لا تساوي شيئًا بالنسبة لما في الآخرة. إن على الإنسان الواعي الحكيم الحصيف أن يقيس المسافات بدقة وعناية، بعدًا وعلامة وإرشادًا، باحثًا عمَّا ينفعه في الدنيا ولا يضره في الآخرة، وعليه أن يختار الطريق الذي ينتهي به نحو السلامة، بعيدًا عن مهاوي الردى والضرر. إن التوازن بين الدنيا والآخرة أمر مطلوب، بل غاية ومبتغى وهدف، وبناء على ذلك على الإنسان أن يزرع ويبذر في دناياه، ليحصد في آخرته حصادًا راقيًا وجميلاً، فلا يضيِّع دنياه، ولا يبع آخرته بدنياه، ليكلا يصبح من أخسر الخاسرين. إن صاحب الحس الإيماني يعلم علم اليقين بأن الرحيل عن هذه الكوكب له موعد محدد، وأجل مكتوب، وعليه المبادرة السريعة بالأعمال التي تنفعه في الدنيا والآخرة، والتي تمتاز بالجودة والطيب، حتى تكون الحصيلة مرضية مسرة، إن ذرة من الخير لن تضيع عند الله، وسيلقاها الإنسان عنده جل في علاه بأحسن منها. إن الفائز والمنتصفي هذه الحياة هو صاحب المبادرات الخيرة والأعمال الجليلة التي تثقل موازين الحسنات، وتفتح أبواب الرحمة والغفران ونعيم الجنان، وصفوة القول: إن الدنيا دار سفر، ومنزل عبور، والسعيد فيها من اتخذ لهذا السفر زادًا يبلغه إلى رضوان الله تعالى، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.
مشاركة :