منظر آلاف الأفغان الذين تعلقوا بالطائرات الأميركية طالبين النجاة بأنفسهم، وهم يشهدون تهاوي ثاني أحلام الإمبراطوريات على أسوار بلادهم، يذكرنا برواية الكاتب الروائي الأميركي الأفغاني الأصل خالد حسيني: «عداء الطائرة الورقية»، الرواية التي احتلت كما بقية أعمال حسيني قائمة الأعلى مبيعاً، وبيع منها أكثر من 7 ملايين نسخة حول العالم. كان الأطفال في أفغانستان قبل الاحتلال السوفياتي يتلهون بالطائرات الورقية، أعينهم مصوبة نحو السماء، وفي الأرض كانت الجبال والقفار تخفي لهم شبحاً مرعباً. لذا الرواية لا تضاهى، رغم كبر حجمها وإغراقها في التفاصيل الأفغانية، لكن تحويلها إلى فيلم يحمل الاسم نفسه منحها روحاً جديدة، الفيلم هو الآخر ممتع وشيق وحقق إيرادات تفوق أربع مرات ميزانيته المليونية. تنقل لنا الرواية صورة أفغانستان في عصر ازدهارها في العهد الملكي، قبل أن يزحف السوفيات نهاية السبعينات من القرن الماضي ليجتاحوا البلاد، ويسقطونها في الفوضى والصراعات الدموية، تروي قصة الطفل (أمير) الذي يعيش في عائلة أفغانية ميسورة الحال، من قومية البشتون، تربطه صداقة بطفل آخر هو (حسان) من قومية الهزارة، والذي تعمل أسرته في خدمة عائلة أمير الثرية، تطوف الرواية في أزقة كابل وتقاسيمها الجغرافية والقومية والدينية، وتلقي الضوء على الصراعات المستحكمة في المجتمع، يتعرض الطفل حسان لاعتداء، ويتخاذل أمير عن نجدته، ليحمل بعدها عقدة الذنب التي ظلت تطارده حتى نهاية الرواية، وحتى بعد أن تهاجر عائلته إلى الولايات المتحدة، خوفاً من الزحف السوفياتي، ويصبح هناك طبيباً، وبعد عقدين من الزمن يعود مجدداً يبحث عن صديقه القديم ليكفر عن ذنبه... لكن مشهداً آخر يلوح في الأفق! في الطريق إلى كابل، يتوقف في باكستان ليكتشف أن حسان ليس مجرد صديق طفولة ولكنه أخوه الذي أنكره والده، من علاقة محرمة، وأنه توفي تاركاً طفلاً في دار الأيتام... وأصبح لزاماً عليه استننقاذ ذلك الطفل، وفي أفغانستان التي دخلها خلسة من أعين طالبان ينتقل القارئ إلى تفاصيل أخرى حيث الفقر والخوف، وأبشع منهما استغلال الأطفال... في أفغانستان تحت حكم طالبان شاهد أمير رجلاً يضطر لبيع رجله الاصطناعية لتأمين لقمة عيشه، كما مر بمشهد لرجل وامرأة يرجمان حتى الموت في ملعب لكرة القدم. وجد السوفيات أنفسهم محاصرين بالنيران التي أشعلوها، فاضطروا للانسحاب، وانهار الاتحاد السوفياتي بعدها بأقل من ثلاث سنوات، وهو يضمد جراح الغزو... لكن إمبراطورية أخرى أغرتها الآمال بنصر ميسر فقامت بمغامرة الغزو مجدداً لتنتقم من جريمة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ولكنها عشية الذكرى العشرين لتلك الجريمة سجلت لنفسها هزيمة مدوية لا نظير لها. تبين أن الديمقراطية لا تصدر بالبارجات الحربية والمدافع. في عصر الصورة كان القادة السياسيون والعسكريون يمنون أنفسهم بانسحاب المنتصرين الذين أنهوا المهمة المستحيلة: «زراعة الديمقراطية» في الأرض السبخة، وطفح خيال هوليوود بمنظر تصطف فيه على طول الطريق نحو مطار كابل آلاف الفتيات اللاتي استنشقن الحرية، وآلاف الشبان وهم يعزفون الموسيقى ويحملون الأعلام الزرقاء لتحية الجنود المظفرين... لكن استيقظ الحلم الأميركي فجأة على كابوس الفوضى والانهيار. تبين أن عشرين عاماً لم تزرع فيها أي ديمقراطية ولا نظاما ولا مؤسسات ولا دستورا، وأن الجيش الذي لا يقهر كان عليه أن يلملم بقاياه ويهرع نحو المطار... وينسحب تاركاً وراءه فوضى أخرى لن تنتهي... وحده الأفغاني الذي وثق بالإمبراطورية الجديدة ظل معلقاً في الطائرات... تقول الرواية في آخر فصولها: «هل أخبرتك يوماً أن أباك كان أفضل مطارد طائرات في وزير أكبر خان؟ ربما في كل كابل؟... كان يطارد الطائرات ولا ينظر إلى السماء، كان يقول الناس إنه يلاحق خيال الطائرة».
مشاركة :