التوافق في الأحكام الشرعيّة زماناً ومكاناً من شأنه أن يؤكد معاني «الوحدة» على النحو الذي يأخذ بنا في الاتجاه الصحيح ابتغاء نزع فتيل «الفتنة»، ذلك أنّ المخالفة في الأحكام الشرعية الظاهرة حطبٌ تتقد به «الفتن»، في حين تخلق «الموافقة» مناخاً يردمُ ما اتسع من هوّة قصد المخالفة، من أجل هذا جاءت النصوص في هذا الباب توكيداً لهذا المعنى، من مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: آل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ. رواه البخاري. وفي رواية له: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا؛ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ. وسَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه فقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَة، مَا يُحَرِّمُ دَمَ الْعَبْدِ وَمَالَهُ؟ فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلاَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ. رواه البخاري». وصيام يوم «عاشوراء» يسعنا جميعاً سنة/ وشيعة امتثال صومه بوصفه صالحاً بأن يتّخذ نموذجاً لشيءٍ من الاتفاق في الشعائر الظاهرة ونفياً لخَبَث قصد المخالفة، ذلك أنّ صيام اليوم العاشر من محرم ليس هو خاصاً بمذهب أهل السنة، بحسب نصوصهم المستفيضة في هذا الباب، بل إنّ كتب الشيعة المعتبرة هي الأخرى طافحة بكل ما من شأنه الندب لصيام هذا اليوم، إذ جاء لدى المحققين ما يمكن إيراده وفق الآتي: (وردت روايات صوم عاشوراء من طرق الشيعة بأسانيد معتبرة، في حين جاءت الروايات الناهية عن صومه بأسانيد ضعيفة، وقد أكد ذلك الشيخ الحاج السيد محمد رضا الحسيني الحائري في كتابه: تجاه الأمة في إقامة العزاء على الحسين والأئمة، صفحات 145 ،146 ،148 وطبع في قم بإيران 1413هـ، وكذلك قال الفقيه الشيعي يوسف البحراني في أنواع الصوم المندوب: ومنها صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن [الحدائق الناضرة 339/13]، وقال شيخ الفقهاء محمد النجفي: المذموم والمنهي عنه اتخاذه (عاشوراء) كما يتخذه المخالفون والتبرك به وإظهار الفرح والسرور فيه لا أن المنهي عنه مطلق صومه، وأنه كالعيد وأيام التشريق، وقال: وعلى كل حال فلا ريب في جواز صومه [جواهر الكلام 108/17]. وها هي أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام متوافرة في الحض على صيام عاشوراء، فعلى سبيل المثال: عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: «صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشوراء..» [تهذيب الأحكام 300/4- الاستبصار 134/2 - جامع أحاديث الشيعة 475/9 الحدائق الناضرة 371/.13]، وعن جعفر عن أبيه عليهما السلام أنه قال: «صيام يوم عاشوراء كفارة سنة» [الوافي 13/7- وسائل الشيعة 337/7]. أما الرواية التي يستشهد بها بعضهم التي تقول: «من صامه يوم عاشوراء كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد، وكان حظهما النار»، وهي رواية عند الكافي؛ فإن إسنادها لا يصح حتى عند الشيعة، وقال العلامة المجلسي في مرآة العقول: «ضعيف على المشهور» [362/16]. وليس بخافٍ أنّ صيام هذا اليوم لا يناقض بالمرّة ذكرى ما قد قدّمه الحسين رضي الله عنه وهو ينهض بأعباء حماية حوزة الدين الذي جاء به جده صلى الله عليه وسلم. ولك أن ترى: «السنة/ والشيعة» في المنطقة الشرقية يتشاركون في إفطارٍ جماعيٍّ، يعكس صوراً من ملحمة وطنيّةٍ قِوامها حُبّ الوطن ونبذ الكراهية، ليكون بذلك العاشر من محرم موعداً ننتظره في سبيل نسيج وحدةٍ نحن بأمس الحاجة إليها في زمانٍ علت فيها أصوات: «المكفراتيّة» ممن جعلوا السنة والشيعة هدفاً واحداً لإرهابهم على حدّ سواء. أختم بشيءٍ من فقهيات ورؤى سماحة المرجع محمد حسين فضل الله- رحمه الله- إذ كتب قائلا: وأضاف «ونحن ندعو الخطباء أن يبتعدوا عن إثارة الخرافات التي لا تنسجم مع شخصيّة الحسين». * «لتكون -ذكرى عاشوراء- مناسبة إسلاميّة منفتحة على قضايا الوحدة، برفض كلّ أساليب الإثارة التي تسيء إلى قوّة الإسلام في وحدته ومستقبله». ولمّح فضل الله إلى الشعائر التي يُمارسها الشيعة في العالم أيام عاشوراء وما يُصاحبها من مظاهر لذكرى مقتل الحسين «رضي الله عنه»، قائلاً إن: * «القيم التي انطلق بها الحسين لم تكن إلا قيم الإسلام التي يلتقي عليها المسلمون جميعاً»، وأضاف «لنأخذ من التاريخ قيمه في حركة القدوة، ولْندعْ منه خصوصيّاته التي تمثّل تكليف الذين صنعوه». * «ونحن ندعو الخطباء أن يبتعدوا عن إثارة الخرافات التي لا تنسجم مع شخصيّة الحسين». * «أن يستعيد-المسلمون اليوم- آفاق الهجرة من أجل أن يمنحوا الإسلام حركيّة في وجدان الأجيال، وفي ميزان الواقع كلّه، وأن يوحّدوا مواقعهم ومواقفهم وتطلّعاتهم لتأكيد القوّة الواقعيّة التي يملكونها».
مشاركة :