باشرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة» عددا من القضايا الجنائية والإدارية، خلال شهر محرم 1443هـ، ضمن اختصاصاتها ومهامها. من خلال التحقيق مع 748 متهماً في قضايا إدارية وجنائية، أسفرت عن إيقاف 282 مواطنا ومقيما.وأضافت «نزاهة»، أن المتهمين كان من بينهم موظفون من وزارات «الدفاع، الداخلية، الصحة، العدل، الشؤون البلدية والقروية والإسكان، البيئة والمياه والزراعة، التعليم، الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الحج والعمرة، والنقل والخدمات اللوجستية»؛ لتورطهم بتهم الرشوة، واستغلال النفوذ الوظيفي، وإساءة استخدام السلطة، والتزوير. وأكدت «نزاهة»، أنه جارٍ استكمال الإجراءات النظامية تمهيداً لإحالتهم للقضاء، مطالبة بالإبلاغ عن أي شبهات فساد مالي وإداري لحماية المال العام والحفاظ عليه.وفي سياق متصل، أكد اقتصاديون وقانونيون أن تقدم المملكة في تقرير المنظمة الدولية للشفافية يأتي انعكاسا لخطوات الإصلاح والتحول الإيجابي التي نشهدها على كل الأصعدة، وتأتي تماشيا مع رؤيتنا الطموحة 2030، موضحين لـ»اليوم» أن صدور القرارات الأخيرة المتتالية التي طالت عددا من المسؤولين رغم ما يتمتعون به من حصانات ساهم بشكل كبير وفعال في إحراز تقدم في مؤشرات الشفافية الدولية، ما يعزز الثقة بالاقتصاد ويسهم في جذب الاستثمارات ورأس المال الأجنبي الذي يبحث عن الاستقرار والأمان.حماية المال العام وترسيخ للشفافيةقال الكاتب والمحلل الاقتصادي عبدالرحمن الجبيري: إن التغلب على بؤر الفساد يحافظ على المال العام ومكونات الاقتصاد ويحفز فرص الجذب الاستثماري ويعزز من كفاءة النشاط التجاري ومرونته وفق إطار متكامل من التشريعات والنزاهة والرقابة الصارمة، مؤكدا أن نجاح آليات علاج المكافحة يعتبر الركيزة الأساسية في تحقيق التنمية المستدامة ورفع كفاءة الأداء وفتح آفاق جديدة نحو زيادة الإنفاق الرأسمالي على المشاريع والبرامج الاقتصادية والتنموية، مضيفا أن النتائج غير مسبوقة والتلاحم المجتمعي يؤشر إلى تعاظم الثقة وحرص القيادة الرشيدة -حفظها الله- وأجهزة الدولة المعنية بترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة وحماية المال العام.ولفت الجبيري إلى أن تقدم المملكة في تقرير المنظمة الدولية للشفافية يأتي انعكاسا لخطوات الإصلاح والتحول الإيجابي التي تشهدها المملكة على كل الأصعدة، وتماشيا مع رؤيتنا الطموحة 2030، وهو ما يؤشر إلى نجاح برامج الإصلاح من خلال تشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة سمو ولي العهد -يحفظه الله- مؤكدا أن المصلحة العامة خط أحمر ومعركة الفساد مستمرة ولن يتوقف قطاره، مضيفا أن ما نشهده اليوم واقعا هو امتداد لدعم القيادة الرشيدة -يحفظها الله- بأهمية تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد والاستمرار نحو تقوية المؤسسات والقطاعات ببرامج فعالة ودقيقة وكفاءات بشرية مؤهلة، مبينا أن الأخلاق والسلوك ترتبط بالاقتصاد ونشاطاته المختلفة ارتباطا وثيقا، مما يتطلب تضافر الجهود وتكريس معايير النزاهة والشفافية عبر كافة وسائل الإعلام والتي تُعد شريكا مهما في الحرب على الفساد والتعاون بات مُلحا وضروريا مع الأجهزة الرقابية بالإبلاغ عن أي جريمة.ثقة دولية غير قابلة للتشكيكأكدت المستشار الاقتصادي رنا زمعي أن استمرار محاربة الفساد والقضاء على بؤره يعزز التنمية والتطوير، والسمعة الاقتصادية للدولة، لذا تأخذ حيزا كبيرا من الخطة العامة، لمواكبة التطورات والسعي لتحقيق أهداف التنمية البشرية المرجوة من جميع القطاعات المختلفة، مبينة أن المحاسبة الجادة والحازمة تزيد الثقة لدى المواطن والمقيم، في أن العمل والحياة ببلادنا مصانة حقوقيا، لافتة إلى أن سمعة المملكة في أداء الأعمال والمحاسبة على أعلى مستوى من الجودة، وغير قابلة للتشكيك أو التأويل، في ظل الضرب بيد من حديد على كل فاسد في مختلف الأجهزة والقطاعات، وهو ما عزز ثقة الاستثمارات الخارجية للدخول للمملكة، ليس فقط بسبب الأرقام المتقدمة والمراتب التي تحققها المملكة في مختلف القطاعات، بل ومحاربة الفساد الحازمة والتي تأكدت جديتها في الكشف عن أي جهة أو شخص بغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو مسؤوليته، مضيفة أنه لا شك عاجلا أم آجلا لن يكون هناك فاسد ناج من الحساب بعد ما نراه من تأكيد يوما بعد يوم أن المحاسبة تطال جميع المستويات.بناء اقتصاد قوي وواعدبين الباحث الشرعي الشيخ زياد القرشي أن المملكة تقود حربا طويلة، ومواجهة قوية مع الفساد والفاسدين، عبر رسم خطة شاملة ومتكاملة للمكافحة وتقديم الفاسدين للتحقيق والمحاكمة الشرعية العادلة، واسترداد الأموال والثروات التي حصلوا عليها بطريق غير شرعي، عبر استنزاف خزينة الدولة من قبل بعض ضعاف النفوس الذين قدموا مصالحهم الشخصية الضيقة على مصلحة الدين والوطن، واستغلوا مواقعهم الوظيفية للاستيلاء على الأموال العامة، وهذا يدل على إيمان وإصرار وعزيمة القيادة الرشيدة -وفقها الله- على مكافحة ومحاصرة الفساد والفاسدين، وتحقيق النزاهة والشفافية للمجتمع وبناء اقتصاد قوي ومتين وواعد، ومحاسبة كل من يتعدى على مكتسبات الوطن.تقدم بمؤشرات الشفافية العالميةذكر خبير القانون الجنائي الدولي محسن الحازمي أن صدور القرارات الأخيرة المتتالية التي طالت عددا من المسؤولين رغم ما يتمتعون به من حصانات ساهم بشكل كبير وفعال في إحراز السعودية تقدما بسبعة مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد «سي بي آي» لعام 2019 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، إذ حققت المركز الـ51 عالميا من أصل 180 دولة، وتقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية لتحقق المركز العاشر، مضيفا أن المملكة تشارك المجتمع الدولي في محاربة الفساد من خلال توقيعها ومصادقتها على عدد من الاتفاقيات.وأوضح أن جهود «نزاهة» تأتي انطلاقا من إدراك المملكة لتأثيره وخطره اقتصاديا وأمنيا وثقافيا على المجتمع والدولة بحد سواء. وأن الأمر الذي يشهد معه ملف المكافحة تطورا ملموسا انعكس على جهود الإصلاح التي نشهدها وفق رؤية 2030، وعملية التحديث التي طالت جميع أجهزة الدولة منذ موافقة مجلس الوزراء على تنظيم مكافحة الفساد، وتعزيز مبدأ الشفافية ومواجهة الفساد المالي والإداري بشتى صوره، مبينا أن عمل «نزاهة» ينحصر على جانبين؛ أولهما الجانب الوقائي الذي يعمل على سد الثغرات النظامية المؤدية إلى وقوع الفساد، وإجراء الدراسات والبحوث في مجال اختصاصات الهيئة والتوعية والتثقيف، ورصد مؤشرات الفساد، ومتابعة إقرارات الذمة المالية، ومن أبرز مهامه تقييم المخاطر ومعالجة البيانات الضخمة، وتفعيل المنصة الإلكترونية لوحدات المراجعة لتعزيز الرقابة الداخلية في الجهات، وكشف مكامن الخلل.وأضاف: إن الجانب الثاني يتمثل في معالجة جريمة الفساد من خلال التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين، وتلقي بلاغات الجمهور عن المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية القائمة على فساد، ومتابعة مجريات التحقيق وسير الإجراءات في هذا الشأن.وذكر أنه بعد ما لاحظ الجميع بشأن صدور عدد من القرارات التي شملت التحقيق والقبض والإيقاف لعدد من المسئولين بالدولة جراء قيامهم بعدد من عمليات الفساد أو الاشتباه بهم من قبل هيئة «نزاهة» والكشف عن أسمائهم والتشهير بها إعلاميا، ما هو إلا تأكيد حيال تطبيق ما نصت عليه المادة الثالثة من تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الصادر في العام ١٤٣٢هـ، المتضمنة أن الهيئة تهدف إلى حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه. وذلك من خلال ممارستها لعدد من الاختصاصات التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها. والتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة، بالإضافة إلى إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد المالي والإداري عند اكتشافها إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق بحسب الأحوال، مع إبلاغ رئيس الجهة - التي يتبعها الموظف المخالف - بذلك.رفع كفاءة الاستثمارات العامةأشار المحامي والمستشار القانوني بندر العمودي إلى أنه انطلاقا من إدراك المملكة لتأثير الفساد اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، فقد تحركت بحزم وقوة لمكافحته والتصدي له باتخاذ جميع الإجراءات النظامية وأعلنت حربا شاملة عليه شهدها القاصي والداني وشهد على نتائجها، وهذا ما تؤكده النتائج المرصودة للترتيبات التنظيمية والهيكلية لمكافحة الفساد المالي والإداري وفق الأوامر الملكية السامية عبر هيئة «نزاهة»، والتي كان آخرها إحالة مدير الأمن العام للتحقيق وهذا مؤشر على المصداقية والعزم على تعزيز الكفاءة والشفافية ومحاربة الفساد بشتى صوره، وهذه الجهود المستمرة لا شك لها مردود وانعكاس إيجابي لسمعة المملكة في الخارج، حيث تدعم توفير البيئة الاقتصادية السليمة التي تعزز جذب الاستثمارات وتشجعها.وأضاف: إنه مع استمرار الجهود المبذولة فمؤكد أننا سنرى تدفقا للمزيد من الاستثمارات نتيجة للشفافية المتنامية إضافة إلى زيادة معدلات التحسن في الاقتصاد المحلي ورفع كفاءة الاستثمارات العامة، لافتا إلى أن إحصائيات المباحث الإدارية في المديرية العامة للمباحث تكشف ارتفاعا مطردا في معدل ضبط جرائم الفساد في الأعوام الماضية على اختلاف أشكالها، موضحا أن المملكة حققت أعلى درجات الالتزام المتعلقة بمكافحة غسل الأموال والتوصيات الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب وفقا للتقرير المعتمد من قبل مجموعة العمل المالي «FATF»، ومجموعة العمل المالي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «MENA-FATF» مما وضع المملكة في المرتبة الأولى عربيا، وأحد المراكز العشرة الأولى في ترتيب دول مجموعة العشرين، وهذا فيه دلالة واضحة على اعتراف المجتمع الدولي بجهود المملكة وتطبيقها للمعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ورفع معدلات الشفافية.مسؤولية إعلامية لتعزيز الوعيأكد أستاذ الإعلام السياسي عادل عبدالقادر أن رأس المال جبان ويخشى المناطق التي يوجد بها فساد، ولكن بما حققته المملكة يعزز الأمان للاستثمار، وهذا ما نشهده خلال السنوات الأخيرة من خلال تدفق رأس المال، وتحول البلاد إلى قبلة للشركات الاستثمارية بعد الثقة بمستوى النزاهة والشفافية التي رفعت المملكة في مؤشرات مدركات الفساد في العالم، لافتا إلى تحقيق قفزات كبيرة في القضاء على البيروقراطية والمحسوبية والأشكال النمطية وتأخير المعاملات التي تؤدي إلى ظهور طفيليات الفساد، مضيفا أن الجهود الكبيرة للهيئة أعادت لميزانية الدولة عشرات المليارات من الدولارات.وبين أن إعادة هيكلة أجهزة الرقابة والمكافحة، تؤكد أن تحقيق قيم النزاهة يتم عبر منظومة متكاملة وليس عملا عفويا أو جزئيا وإنما تأتي في إطار تنسيق عال بين مؤسسات المجتمع المختلفة وبالأخص المؤسسات الرقابية والإعلامية، مشددا على أهمية الإعلام ودوره المجتمعي في رفع مستوى الوعي بخطورة الفساد وأهمية مكافحته حتى يتحد الجميع في صف واحد ضد الفساد والفاسدين بخطة ممنهجة تحمي حاضر ومستقبل المملكة.
مشاركة :