كثيرون منا يعرفون شخصا أو أكثر حقق قدرًا كبيرًا من المال من العملات المشفرة مثل البيتكوين- Bitcoin. فخلال العامين الماضيين فقط، أدى الارتفاع الواضح للعملات الرقمية الرئيسية إلى تحويل عملية شراء بقيمة 500 جنيه إسترليني إلى 15000 جنيه إسترليني، وإذا كنت اشتريت في وقت سابق فستربح أكثر بكثير. ويحق للمستثمر الجاد الذي شاهد المضاربين وهم يثرون بسرعة من هذه العملات الرقمية أن يطرح سؤالا مفاده: «هل يجب أن نشتري البيتكوين؟»، بتعبير آخر هل يمكن اعتبار العملة المشفرة الآن مخزنًا للقيمة (بمعنى أن تكون أصولا مشفرة)، وهل من المنطقي إدراجها كجزء من محفظة متعددة الأصول؟ في الواقع الإجابة النموذجية الوحيدة عن هذا السؤال هي البحث الجاد وراء الأمر، والاستقصاء قبل إضافة أي أصل جديد إلى محفظة الاستثمارات، وهو ما سنفعله هنا. لذا وجب التنبيه على أنه إن كنت تتوقع أننا سنطمئنك وندفعك إلى أن تفتح محفظة رقمية، وتملأها بالبيتكوين وتشاهد ثروتك تنمو، فإن قراءة هذا المقال ستكون مخيبة لآمالك. ما هي عملة البيتكوين؟ تصنف البيتكوين على أنها عملة طورها في عام 2008 أفراد مجهولون باستخدام الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو. وكانت الفكرة هي إنشاء شبكة دفع من نظير إلى نظير تسمح بالمعاملات من دون الحاجة إلى تغيير العملات أو إشراك البنوك أو معالجات الدفع الأخرى، وبالتالي هي نوع من Paypal لها عملتها الخاصة. ويتم التحقق من كل معاملة بيتكوين بواسطة دفتر «Blockchain»، باستخدام تقنيات التشفير. ولم يتم التعرف على مالكي عملات البيتكوين بشكل شخصي، ولكن جميع المعاملات الخاصة بها على Blockchain ويمكن التعرف عليها عبر عناوين البيتكوين. يتم الحفاظ على الشبكة من خلال تحفيز عمال مناجم البيتكوين الالكترونيين على استخدام أجهزة الحاسوب لحل المشكلات الصعبة، وما إن يتم حلها -والتحقق من المعاملة- يتم إنشاء كتلة جديدة في Blockchain. ويحصل من قام بذلك على عملة البيتكوين التي تم إنشاؤها كمكافأة. ولا يمكن أن يتجاوز العدد الإجمالي لعملة البيتكوين 21 مليونًا. ويتم إنشاء عملات البيتكوين الجديدة كل 10 دقائق تقريبًا ويتقلص معدل إنشائها إلى النصف كل أربع سنوات، والتصور أنه سيتم تعدين آخر عملة بيتكوين في عام 2140، ولن يتم تداول عملات البيتكوين الجديدة بعد تعدين آخر عملة. لماذا لا تصبح البيتكوين فئة أصول رئيسية؟ من غير المرجح أن تصبح عملة البيتكوين فئة أصول رئيسية قابلة للاستثمار بعض الوقت أو حتى أبدًا، فبادئا ذي بدء؛ لا تساعدك العملة على التنويع كمستثمر، فهي متقلبة للغاية، إذ ترتفع القيمة وتنخفض بشكل غير متوقع، فهي قد تستند أحيانًا إلى تغريدة من إيلون ماسك - وترتبط ارتفاعاتها وأدنى مستوياتها ارتباطًا وثيقًا بالارتفاعات والانخفاضات في أسواق الأسهم، ولا سيما في أوقات التوتر. وكما هو معروف فالهدف من الاستثمار المتعدد الأصول هو منحك أصولا تتفاعل بشكل مختلف عن بعضها البعض وتحمي ثروتك في مجموعة متنوعة من المواقف، وهذا لا توفره البيتكوين. وثمة ملمح سلبي رئيسي آخر هو أن البيتكوين ضار للغاية بالبيئة، لدرجة أنه تم وصفه بأنه «العملة المشتقة من الفحم». فهناك غرف مليئة بأجهزة الكمبيوتر حول العالم، تعمل ليل نهار للحفاظ على العملة، وللتحقق من المعاملات، وحل المعادلات المعقدة اللازمة لإنشاء مزيد من عملات البيتكوين. كما تتطلب دفعة واحدة من blockchain طاقة عشرات الآلاف من المرات أكثر من مدفوعات Visa، ولذا فإن انبعاثات الكربون العالمية من البيتكوين تكافئ تقريبًا تلك الخاصة بدولة متوسطة الحجم مثل السويد. كما أن العملة حاليًا غير منظمة بسبب استخدام وسطاء مجهولين لها -صحيح أنها قد لا تبقى كذلك لفترة طويلة- وتتسامح الحكومات مع عدم الكشف عن هويته التي توفرها المعاملات النقدية حاليا، ولكن من الصعب تصديق أنها ستستمر في السماح بأن يتم الاستيلاء على أنظمة الدفع في العالم من خلال وسيط تبادل مجهول، لأن ذلك يجعل تطبيق القانون وتحصيل الضرائب أمرًا صعبًا للغاية. وكان هناك العديد من الحالات البارزة لاستخدام البيتكوين في معاملات غير قانونية لتمويل الإرهاب مثلا أو في برنامج رانسوم وير (برنامج الفدية) الذي يقيد الوصول إلى نظام الحاسوب الذي يصيبه، ويطالب بدفع فدية لصانع البرنامج من أجل إمكانية الوصول إلى الملفات. علاوة على ذلك؛ يمكن أن يكون إخفاء الهوية باهظ التكلفة للمستخدمين، فالمحافظ المجهولة تعني أنه من الصعب للغاية إيقاف عمليات الاختراق والخداع لسرقة عملات البيتكوين، إذ يصعب فك عمليات النقل غير المقصودة، والعملات المعدنية المفقودة غير قابلة للاسترداد عمليا. قد يقول البعض إنه مع العملات الوطنية والنظام المصرفي الحديث تحدث العديد من المشكلات الشبيهة، لكن لدينا نظام نقدي يقر بحدوث الأخطاء والسرقة، ولذلك أنشأ مؤسسات وقواعد لحل هذه المشكلات، وتتدخل الحكومات عند الحاجة. لكن في حالة البيتكوين لا يملك المستثمر أيًا من شبكات الأمان هذه، ومن الحكمة ألا تتوقع أن تقف الجهات المنظمة والمعنيون مكتوفي الأيدي إذا كانوا يعتقدون أن مستثمري التجزئة يتم تضليلهم، فهم لن يسمحوا أن يقع نظام الدفع العالمي في أيدي كيانات غير خاضعة للتنظيم، وسيقاومون فقدان السيطرة على النظام النقدي. لهذا فإن خطر اتخاذ إجراء تنظيمي على البيتكوين وارد ومرتفع. ويتوقع أيضًا أن تبدأ البنوك المركزية في العالم في إنشاء عملات رقمية خاصة بها لمكافحة التهديد الذي تواجهه من العملات المشفرة. من يستثمر في البيتكوين مثله كمثل تاجر الزنبق في القرن السابع عشر يتعرض لمخاطرات كبيرة، تجعلنا نصفه بأنه يتكهن بأكثر مما يستثمر، صحيح توجد قيمة في شراء أو الاحتفاظ بالعملة في الوقت الحالي، لكن لا توجد ضمانات، لذا مثلا من غير المرجح أن يقدم مزود المعاشات التقاعدية خيار استثمار عملة مشفرة في أي وقت قريب. كبير الاقتصاديين النقديين في مؤسسة أبردين ستاندرد انفستمنت
مشاركة :