تؤكد دراسة حديثة أجريت في مستشفى بأونتاريو في كندا أن المرضى الذين يتعالجون عند أطباء الجراحة الإناث تقل بينهم نسبة الوفيات بحوالي 12% مقارنة بالأطباء الذكور، كما يؤكد الباحثون أن النساء أكثر مهارة من الرجال في هذا المجال الطبي وأفضل في اتباع المبادئ التوجيهية، وفي التواصل مع الموظفين الآخرين، وأنهن يشعرن بوجود ضرورة ملحة لإثبات أنفسهن. بمعنى آخر لم يعد هناك مجال للتحيز ضد الطبيبات الجراحات، أو أن يكون جنس الطبيب هو المحدد الأساسي للحصول على جراحة ناجحة، وهذا بالفعل ما أثبتته تجربة الدكتورة إسراء سامي محمد، أول امرأة بوزارة الصحة بالبحرين تحصل على زمالة كلية الجراحين الأمريكية، والتي قررت أن تصبح طبيبة منذ طفولتها، وكان لها ما أرادت، لتعكس نموذجا جميلا لانتصار الإرادة الإنسانية وللنضال النسائي المحموم لإثبات الذات وذلك على الصعيدين الوطني والعالمي، حيث كسرت حاجز الانتقادات التي يراها البعض في العاملات في هذه المهنة وتتعلق بأنوثة ورقة المرأة. لقد بذلت هذه المرأة أقصى جهودها كي تلعب دورا محوريا في عكس صورة مشرفة للمرأة الجراحة، وأثبتت قدرتها على التغيير الإيجابي، وذلك من خلال حضورها اللافت في الفعاليات الطبية العالمية لتؤكد من جديد دورها الأساسي في الرعاية الصحية إلى جانب الرجل، وعلى مشاركتها في بناء مجتمعها. «أخبار الخليج» حاورتها حول رحلة الكفاح والنجاح والتألق وذلك في السطور التالية: كيف كانت نشأتك؟ كنت طفلة مميزة وحالمة، وخاصة أنني نشأت في بيئة محفزة على تطوير الذات والمهارات منذ الصغر، حتى أن والدّي كانا يريان في طاقاتي أكبر بكثير من عمري، وذلك لأنني كثيرة الدراسة والقراءة والاطلاع والبحث، وأجد متعة شديدة في هذه الأشياء وليس في اللعب أو اللهو مثل كثير من الأطفال في هذه السن. وماذا كان حلمك في الطفولة؟ منذ عمر مبكر، تولد بداخلي حلم أن أصبح طبيبة في المستقبل، بل يمكن القول إنه لم يكن حلما بل قرارا، وبالفعل كنت دوما من أوائل الطالبات على البحرين، والتحقت بجامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن، وأنهيت دراسة الطب، وكنت قد التحقت أثناء المرحلة الجامعية ببرنامج تدريبي في نيوزيلندا، وأتممت دراسة بعض المواد هناك. وماذا بعد العودة إلى البحرين؟ بعد عودتي إلى البحرين قضيت فترة الامتياز، والتحقت ببرنامج الجراحة العامة بمجمع السلمانية الطبي، وحصلت على البورد العربي في هذا التخصص، ثم تم ابتعاثي للانضمام إلى برنامج تدريبي في بريطانيا، للاطلاع والتدريب في مجال جراحة القولون والمستقيم والمناظير وهو مجال يستهويني بشدة. ماذا عن حصولك على زمالة كلية الجراحين الأمريكية؟ هذه الزمالة تمنح من جمعية الجراحين الأمريكية خلال مؤتمرهم السنوي (أمريكان كوليج كونجراس) والذي يتم خلاله تنصيب الأطباء المؤهلين أكاديميا وتدريبيا للالتحاق بكلية الجراحين الأمريكية، وكذلك التعرف على أحدث أساليب الجراحة، كما تمنح الفرص التدريبية للأطباء عن طريقه، وهو حدث ضخم ومهم للغاية، كنت أحرص دوما على السفر إلى أمريكا سنويا لحضوره في ولاية من الولايات، وهذا ما أسفر عنه منحي تلك الزمالة. كيف؟ لقد كنت دوما من المشاركين في ورش العمل التي تعقد خلال هذا المؤتمر، ومن المطلعين على أحدث الأبحاث، وغيرها من الأمور، الأمر الذي أدى إلى التعرف علي شخصيا وعلى شهاداتي العلمية وخبراتي الواسعة، ومن ثم تم تقييمي عبر عدد من الاختبارات والمقابلات، بعدها وقع علي الاختيار للحصول على زمالة كلية الجراحين الأمريكية، وكنت أول امرأة طبيبة بوزارة الصحة تحصل على هذا الشرف. ما هو انطباعك عن وضع المرأة الجراحة في أمريكا؟ في أمريكا هناك لجنة المرأة في الجراحة، وقد حصلت على عضويتها، وكم أتمنى وجود مثيل لها في البحرين، وبالنسبة لوضع المرأة في الجراحة هناك أنا أرى أنها تواجه المشاكل نفسها التي واجهتها مثيلاتها في عالمنا العربي، وخاصة فيما يتعلق بتكافؤ الفرص بين الجنسين، والتمييز بينهما، بمعنى آخر هي تعاني من نفس العقلية والصعوبات التي واجهتها المرأة في مجتمعاتنا، ولكني أرى أوضاع الجراحات البحرينيات في تطور مستمر وتعيش واقعا أفضل اليوم. لماذا أفضل؟ يمكن التأكيد أن المرأة البحرينية الجراحة تجاوزت الكثير من العقبات والصعوبات التي كانت تواجهها سابقا، حيث لم تعد تعاني من تلك النظرة الدونية لها كمنافسة للرجل في هذا المجال، وهذا ما عكسته من خلال تجربتي هناك، حيث قدمت لهم نموذجا مشرفا للمرأة البحرينية المسلمة المتدينة المتحررة والمتحضرة، الأمر الذي أبهرهم وصحح تلك النظرة الخاطئة إلينا، وهو شيء أعتز وأفخر به بشدة، حيث يقدم وجها متحضرا لمملكتنا أمام العالم. من وراء نجاحك؟ أمي وأبي هما سندي وظهري على مر مسيرتي، ولن أنسى لهما ما قدماه لي من دعم وتشجيع ومساندة، سواء أثناء تواجدي بالبحرين أو خلال فترة سفري لإكمال مشواري العلمي والتدريبي، ولا شك أنهما لعبا دورا كبيرا في تربية ورعاية أبنائي فترة غيابي. هل أثر عملك كجراحة على أنوثتك؟ عملي بمجال الجراحة لم ينقص من دوري كأنثى أو كأم، كما أن رسالتي كأم لم تقلل من دوري كجراحة، بل على العكس، أرى أن أطفالي هم مصدر قوتي، وسبب نجاحي في عملي، ودافع لتطوير مهاراتي بشكل عام. إلى أي مدى يجب على الجراح التخلي عن مشاعره أحيانا؟ الجراح لا يتخلى عن مشاعره، بل يجب أن يستخدمها بمهارة وذكاء، بمعنى آخر عليه أن يدرك جيدا متى يضعها قبل عقله وبالعكس، ولا شك أن ممتهن هذه المهنة بشكل عام يتمتع بشيء من القوة والصلابة، يكتسبها من خلال المواقف الصعبة الكثيرة التي يمر بها، ومن ثم يتعامل معها، وأنا شخصيا مررت بتجارب عديدة من هذا النوع، وكان لزاما عليّ أن أحتفظ معها بتماسكي، وهذا لا يمنع من أنه بعد الانتهاء منها، أجد نفسي متأثرة بها للغاية، حتى أن بعض المشاهد لا تغيب عن ذاكرتي مطلقا مهما مر عليها من الزمن. ما هي التجربة الصعبة التي لا تنسى؟ هناك تجارب صعبة كثيرة مررت بها، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر حضوري لعلمية جراحية أثناء تدريبي برفقة ستة استشاريين، وكانت لطفل تعرض لحادث دهس من باص، ولعل أكثر شيء أتذكره ومازال يؤلمني هو حالة الأهل التي تدمي أي قلب، والتي مازالت تعبيرات وجوههم عالقة في ذهني حتى اليوم، ولله الحمد تعافى، وكذلك تجربتي مع حالة طفل آخر قد توفي بين يدي أثناء محاولة إسعافه في موقع حادث سير أيضا، فمثل هذه المواقف لا تغيب عن بالي ولكن التعامل معها يتطلب قدرا كبيرا من الصلابة والتماسك على أي طبيب أن يتحلى بها. أصعب محنة؟ كل إنسان يمر بكثير من المواقف الصعبة وأحيانا بانكسارات، وبحالات خذلان من أناس قد يكونون قريبين منه، ولكن كل ذلك يمنحه القوة، وأنا شخصيا لا أعترف بشيء اسمه محنة، لأن التعامل معها هو خيار بأيدينا، ومن ثم يمكنني أن أحولها إلى منحة، وقد علمتني الحياة أن أواجه أي تحد وأن أعتمد على نفسي في كل شيء، ولا أنتظر مساعدة من أحد، ولله الحمد استطعت أن أحول أي فشل إلى مفتاح للنجاح، وهو شيء بالإمكان حدوثه طالما هناك طموح وإرادة واجتهاد، وهذا ما أحاول غرسه في نفوس أبنائي على طول الخط. متى تنكسر المرأة؟ الذي يكسر أي إنسان سواء كان رجلا أم امرأة هو الإحساس بالدونية، وبشكل عام يمكن القول إنني أجد دائما كائنا قويا بالفطرة غير قابل للانكسار، وقادرة على تخطي أي أزمة بكل مهارة واقتدار، وخاصة إذا تمتعت بالإرادة وبالوعي الذي يمكنها من الاختيار الصحيح في كل شيء خلال مشوارها الحياتي والعملي. ما هي خططك الحالية؟ أنا حاليا أتدرب في برنامج جراحة القولون والمستقيم ببريطانيا، وخاصة في تخصص جديد يتعلق بالجراحات الدقيقة، وأتمنى أن أتخرج منه بنجاح بعد إنهاء هذه البعثة التي تعتبر محطة مهمة للغاية في مشواري العلمي والعملي، ومن ثم الحصول على لقب استشارية لأحقق حلمي منذ الطفولة في هذا المجال الجراحي المهم الذي أعشقه، كما أنني أعكف على دراسة الماجستير في إدارة الخدمات الطبية في الوقت نفسه. حلمك؟ أتمنى أن أمتلك مستشفى خاصا في مجال تخصصي الجراحي، كما أحلم بالمساهمة في إنشاء رابطة للجراحات في البحرين تهتم بشؤون القطاع النسائي الذي يعمل في هذا المجال الطبي الدقيق، وتحقيق أعلى درجة من الامتيازات والمكتسبات، وتعمل على بلوغهن أقصى درجة من التطوير المهني.
مشاركة :