بقلم: د. رائد أبورية المسيح عليه السلام بشر ورسول، أجرى الله على يديه الآيات، وأقدره على القيام بالغرائب والمعجزات، وكل ذلك كان بمدد آتاه الله إياه. ودائما كان ينسب عيسى عليه السلام هذه الآيات إلى الله سبحانه وتعالى فنجده يقول في القرآن: (وَرَسُولاً إلى بَنِي إسرائيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه) سورة آل عمران، آية 49. والمسيح مخلوق مثل سائر البشر بأمر الله سبحانه وبإرادته لأنه تعالت حكمته إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، خلق السماوات والأرض وسائر البشر ومن بينهم المسيح بالأمر الإلهي والإرادة الإلهية، فلماذا يحاول المسيحيون تبرير خلق عيسى من دون أبٍ واعتبارهم له أنه ابن الله، هل خلق عيسى بلا أب عجيب أم خلق آدم أبو البشر بلا أب ولا أم، وخلق حواء من آدم وبلا أم. هذه قدرة الله سبحانه وتعالى في خلقه، ولا داعي لكل هذه الفلسفات العقيمة، والتبريرات المزيفة لإثبات أن عيسى ابن الله، تعالى الله عن أن يكون له ولد أو يكون له شريك في الملك. والسؤال هنا، كيف دخلت ألوهية المسيح والقول بالتثليث في عقيدة النصارى؟ الحقيقة أن المسيحيين في القرن الأول وحتى انعقاد مجمع نيقية (325م) كانوا يعتقدون بوحدانية الله سبحانه وتعالى، وعندما دخل كثير من المصريين والرومان في الديانة المسيحية ظلوا متعلقين ببعض معتقداتهم الوثنية، واستطاعوا إدخالها في دين المسيح. والمسيحُ عليه السلام بريء منهم ومما يدعون، وسوف نبين في نهاية هذا المبحث ما نقلته الأناجيل من الديانات الوثنية، وخاصة في موضوع التثليث. وقد اتخذ رجال الدين المسيحي القرار بألوهية المسيح في مجمع نيقية الذي عقد سنة 325م ليضع حدا لهذه الاختلافات ويقرر حقيقة المسيح، وكان عدد المجتمعين 2048، وفي هذا الاجتماع صاح عالم مصري اسمه أريوس مع بعض من أًيّدوا رأيه، واجتمع الأعضاء القائلون بالتثليث وبألوهية المسيح وعددهم 318، فاتخذوا قراراً بذلك انظر أحمد شلبي: المسيحية. ومن هنا فُرض القول بألوهية المسيح بالحديد والنار، وحُمل النصارى عليه حملاً، بل فُرض الأمر على معظم العلماء الموحدين، واتخذوا هذا الرأي بأقلية ملحوظة، ويتضح ذلك من عدد الذين أُخرجوا بالقوة من الاجتماع مقارنة بعدد المُقرِّين. ويُعلق الشيخ أبو زهرة على الفارق بين عدد كلٍّ من المؤيدين والمعترضين؛ إذ كان المعترضون 1700، والمؤيدون 318 فيقول: فهل ذلك المجمع لم يَخْلُ من نقد؟ إن باب النقد فيه متسع. إذن، فالقول بألوهية المسيح كان مفروضا برهبة السلطان وعصاه، فقد أمر بتحريق من يخالفه من كتب أو أشخاص أو آراء في المجالس العامة. حتى إن أولئك المؤيدين لم يكونوا مجمعين على القول بألوهية المسيح، ولكن تحت سلطان الإغراء بالسلطة الذي قام به قسطنطين بدفعه إليهم أجمعوا، فقد دفعهم حب السلطان إلى أن يوافقوا هوى قسطنطين. إذن، فالقول بألوهية المسيح دخيل على العقيدة النصرانية الصحيحة، أدخله بشر لهم مآرب وطموحات شخصية. وبهذا أبعدوا الإنسان عن الفطرة الإنسانية السليمة التي جاء بها الإسلام والتي بدأت منذ أن أخذ الله العهد عليهم في عالم الذر، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) سورة الأعراف، آية 172. وإن ما يعرف بعقيدة التثليث - الأب والابن وروح القدس إله واحد- قد ابتدعه محررو الكتاب المقدس، وذلك ليس من الديانة المسيحية التي جاء بها السيد المسيح عليه السلام. وأن سيدنا عيسى عليه السلام سيظهر براءته من هذه العقيدة كما حكى القرآن الكريم عن ذلك في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) سورة المائدة، آية 116.
مشاركة :