استبعد خبراء اقتصاديون ظهور منافسة حقيقية للصناعات البتروكيماوية السعودية في غضون السنوات المقبلة، مؤكدين أن التحديات التي تواجه صناعة البتروكيماويات الوطنية تتمثل في القضايا المرفوعة تحت مسميات الإغراق، مشيرين إلى أن التكلفة المنخفضة بسبب الأسعار التفضيلية للغاز الذي تحصل عليه مختلف المصانع العاملة في المملكة مما يجعل عنصر المنافسة أمرا غير وارد في الوقت الراهن، لافتين إلى أن الدراسات الاقتصادية على المدى المتوسط والقصير تؤكد استمرارية الطلب المتزايد على هذه المنتجات في السوق العالمية وخصوصا في الأسواق الناشئة. ففي البداية تحدث إلينا الدكتور باسم أبو السعود أستاذ مساعد بقسم الهندسة الكيميائية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، قائلا إن الحديث عن وجود منافسة حقيقية قد تواجه الصناعة البتروكيماوية السعودية سواء من الدول المجاورة أو الدول الأخرى أمر غير وارد، وذلك وفقا للمعطيات والأرقام التي تتحدث عن فوارق سعرية كبيرة بين التكلفة الإنتاجية للمنتجات السعودية ومقارنة بالسلع المنافسة، مشيرا أبو السعود إلى أن المصانع الوطنية تحصل على الغاز وهو العنصر الأساسي في إنتاج البتروكيماويات بسعر تفضيلي، فيما تحصل المصانع في الدول العالمية على نفس العنصر بسعر السوق العالمية، مضيفا، أن انخفاض التكلفة للمصانع الوطنية دفع بعض الدول لفرض رسوم وضرائب عالية على المنتجات السعودية بهدف حرمانها من المنافسة الحقيقية في أسواقها المحلية. ويرى أبو السعود إلى أن تعرض بعض المصانع الوطنية لخسائر ليس ناجما عن تدهور الأسعار بقدر ما ينم عن سوء في الإدارة، وكذلك في التأخر في الإنتاج أو عدم القدرة على الاستغلال الأمثل للإنتاجية بما يسهم في تحقيق الربحية، مؤكدا أن الإدارة الجيدة تمثل المدخل الأساسي للتحول من الخسائر إلى الربحية، متسائلا عن كيفية تحقيق بعض الشركات أرباح هائلة فيما تواجه شركات تابعة لتلك الشركات خسائر متواصلة، مما يعني وجود خلل كبير في القدرة الإدارية لتلك الشركات. وأضاف أبو السعود أن الصناعة البتروكيماوية ما تزال رهانا مستقبليا للمملكة، نظرا لوجود مخزون كبير من الغاز في المملكة يدعمها استمرار الاكتشافات الجديدة التي تحتوي على كميات كبيرة من الغاز المسال والمصاحب، بالإضافة لذلك فإن عدم وجود بدائل أخرى قادرة على الإحلال محل المنتجات البتروكيماوية في المصانع العالمية يمثل عاملا أساسيا في الاعتماد على هذه الصناعة في دعم الناتج الوطني، لافتا إلى أن التحدي الذي يواجه العديد من المصانع البتروكيماوية يتمثل في الجانب البيئي والتلوث الذي تحدثه بعض المنتجات مثل البلاستيك وبالتالي فإن البحث عن بدائل قادرة على التحلل السريع في الأرض يشكل عنصرا قويا لتحقيق طفرة غير مسبوقة في هذه الصناعة، مؤكدا، أن التوسع الحاصل في الصناعة البتروكيماوية خلال العقود الأخيرة ينم عن وجود قناعة كبيرة بقدرة هذه الصناعة على الصمود في وجه التحديات وبالتالي فإنها تمثل خيارا إستراتيجيا. واعتبر أبو السعود دخول أرامكو السعودية كشركة رائدة في صناعة البترول في مجال البتروكيماويات يدلل على وجود قناعة كبيرة بقدرة هذه الصناعة على تحقيق تقدم كبير، فالطلب العالمي الكبير في الأسواق العالمية وكذلك اعتزام أرامكو على إنتاج منتجات جديدة تلبي الكثير من الصناعات يعطيها القدرة على الدخول بقوة في السوق خلال السنوات المقبلة. وأوضح شريش ندكار المدير العام لقسم الغاز والزيت بشركة كانو، ان أرامكو السعودية تضخ أموالا ضخمة لتطوير حقول الغاز، بهدف تلبية الطلب المتزايد على الغاز من قبل مصانع البتروكيماويات بالمملكة، مشيرا إلى أن محدودية كميات الغاز الموجودة لدى أرامكو السعودية تفرض على شركات البتروكيماويات التريث لفترة محدودة قبل الشروع في توسعات جديدة أو محاولة ضخ استثمارات كبيرة لإنشاء مشاريع لصناعة البتروكيماويات، مطالبا بضرورة الانتظار لفترة لا تقل عن عامين بهدف قراءة السوق العالمية، موضحا أن دخول الولايات المتحدة بقوة في صناعة البتروكيماويات وتصدير الغاز، لاسيما وأن السوق الأمريكية كانت تستورد كميات كبيرة من البتروكيماويات، وبالتالي فإن دخول أمريكا في ميدان الصناعات البتروكيماوية يفرض واقعا جديدا، مما يستدعي وضع إستراتيجية تتعامل مع المستجدات والتطورات التي تشهدها هذه الصناعة على المستوى العالمي. وقال ندكار إن المملكة ليست من الدول المصدرة للغاز، حيث يتم استغلاله في الصناعات المحلية، وبالتالي فإن التوسع الجاري في الصناعات البتروكيماوية يمثل تحديا كبيرا لأرامكو في المرحلة القادمة، مما يفرض عليها ضخ استثمارات كبيرة في عملية تطوير حقول الغاز لتلبية الطلب المتزايد في السوق المحلية، مشيرا إلى أن الطلب على الغاز في يشهد زيادة مطردة سنويا، نظرا لتزايد المشاريع الجديدة في مجال البتروكيماويات وكذلك الصناعات الأخرى. من جانبه قال رئيس غرفة الشرقية عبدالرحمن الراشد، إن الغرفة نظمت مؤخرا اللقاء الخامس للصناعيين وهو امتداد لتوجهاتها في دعم وتبني تطلعات القطاع الصناعي، وأهدافه، مؤكدا أن هذا المسار يعتبر مهما لطموحات الاقتصاد السعودي، وانعكاسا لمكانته المتميزة، باعتباره أكبر اقتصاد إقليمي، وواحدا من أهم الاقتصاديات وأكثرها تأثيرا في منظومة الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن اللقاء حمل عنوان «الفرص الاستثمارية في الصناعات التحويلية لقطاعي البتروكيماويات والمعادن»، بمشاركة من جانب شركات وجهات معنية بالقطاع الصناعي في مقدمتها وزارة البترول والثروة المعدنية وهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن)، والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، والشركة السعودية للمعادن (معادن) وشركة صدارة وشركة سبكيم، إضافة إلى خبراء ومتخصصين مرموقين في الشأن الصناعي، وهو ما نجد فيه باعثا كبيرا على الأمل في بلوغ هذا اللقاء أهدافه وغاياته. وأكد الراشد أن الغرفة تسعى إلى تأطير الشأن الاستثماري في مجال الصناعات التحويلية، على نحو خاص في قطاعي البتروكيماويات والمعادن، بما ينطويان عليه من فرص واسعة تشكل آفاقا جديدة لتدفقات استثمارية ضخمة يمكن أن تثري هذين القطاعين، وبالتالي اقتصادنا الوطني، وبما يعنيه ذلك من مشروعات جديدة، توسيعا لسوق العمل وامتدادا لخطط توطين الصناعة، وكل ذلك يعني آمالا لا حدود لها فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، في ضوء الأرقام التي تشير إلى أن النمو الحقيقي في الصناعات التحويلية غير النفطية بلغ 8.3% خلال العام 2012 كما حققت قيمة الصادرات غير النفطية خلال نفس العام قيمة قوامها 183 مليار ريال بزيادة 4% عن العام 2011 وهو أمر يعكس الأمل الذي نعلقه على هذا القطاع وما سيحققه للبلاد من أثر على صعيد جهود تنويع مصادر الدخل، مشيرا إلى أن أهمية قطاع البتروكيماويات الذي يعد من أكبر القطاعات غير النفطية بالمملكة، حيث تصنف المملكة في المركز رقم (11) عالميا في مجال توريد البتروكيماويات الذي يشكل (7% من الإنتاج العالمي)، مضيفا، أن المملكة تستحوذ على نسبة 70% من صناعة البتروكيماويات عربيا وحوالى 70% من إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي من هذه المنتجات، وذلك نظرا لما تتمتع به من ميزة نسبية فيما يتعلق بتوافر الغاز الطبيعي وانخفاض تكاليف نقله، مؤكدا، أن قوة المملكة تكمن في توريد الإيثلين والميثانول، وتتجه المملكة إلى التنويع في مجال البتروكيماويات المركبة وتوريد المنتجات المتميزة مثل الكيميائيات المتخصصة ومنتج الثيرموبلاستيك الهندسي (لدائن معالجة بالحرارة). وبين الراشد أن مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين تشكلان الحاضن الرئيسي للصناعة البتروكيماوية بالمملكة، حيث يوجد بهما نحو 233 صناعة، وتبلغ حجم الاستثمارات نحو 328 مليار ريال، توفر فرص عمل لأكثر من 107 آلاف موظف وعامل، يمكن القول إن العوامل المساعدة لنجاح هاتين المدينتين تتلخص في توفر بنية تحتية وخدمات أساسية مشجعة على الاستثمار ووجود كليات ومعاهد تخرج كوادر تحتاجها المصانع، وتقديم برامج تدريب للقوى العاملة، والتأجير طويل المدى للأراضي بأسعار رمزية، ووجود تجهيزات أساسية لخدمات الماء والكهرباء والاتصالات وتصريف مياه الأمطار، ووجود عناية خاصة بالبيئة، وتوفر الخدمات الأساسية من مدارس ومساجد ومراكز صحية وترفيهية. وقال نائب الرئيس التنفيذي للكيمياويات المتخصصة بشركة سابك المهندس عبدالله بن سعد الربيعة، إن الشركة تعمل على مقترح (إنشاء تجمعات صناعية متخصصة)، مؤكدا أن المقترح يسهم بشكل كبير في تنمية هذا القطاع، معتبرا إياه نموذجا قادرا على تحقيق الأهداف المشتركة في تطوير الصناعات، مبينا أن المقترح تم تصميمه بعد زيارة العديد من البلدان الصناعية المعروفة والتي تهتم بصناعة المطاط، لافتا إلى أن مفهوم التغيير إلى تجمعات صناعية يحتاج الكثير من المجهودات من قبل الجهات المعنية والمستثمرين، مضيفا أن المقترح سيشكل تغييرا كبيرا في تطور قطاع الصناعة في المملكة، مقرا بوجود مشكلة تكمن في تحويل هذا المقترح إلى واقع ملموس ولكن حضور المملكة في أسواق النفط ومصداقيتها الكبيرة الناتجة عن كونها أكبر منتج للنفط في العالم سيسهم كثيرا في تحقيق ذلك، مؤكدا تحقيق بعض النجاجات في عدة مستويات ولكنها لا تواكب النجاحات التي قدمتها قطاعات النفط الكبيرة. وأشار الربيعة إلى أن خدمات صناعية بما توازي قيمتها ثلاثة مليار ريال يتم تصديرها إلى الخارج، لافتا إلى أن المشروع يمكننا تحقيق أهداف كبيرة من أبرزها إنتاج مواد كيميائية ذات جودة عالية يمكننا الاعتماد عليها، مضيفا، أن المملكة ستنتج المواد الأساسية لصناعة المطاط خلال سنتين وذلك من أجل إنتاجه محليا وتوفير حاجة السوق، مبينا أن المملكة تستورد المطاط والخراطيم بواقع يزيد عن 10 بالمائة. وأبان الربيعة أن الصناعة يجب أن تتم في تجمع خاص يحركه قلب لهذه الصناعة، مشيرا إلى أن معظم المواد التي نستخدمها هي مستوردة، داعيا إلى حوار مفتوح لخدمة هذا المجال. وقال الربيعة إننا يفصلنا عن تحقيق الحلم في بناء المشروع هو الإطار الإستراتيجي على المستوى المحلي بالإضافة إلى أن العديد من القرارات لا يتم تنفيذها من قبل المستثمرين.
مشاركة :