يمثل التعليم أهمية كبيرة في بناء الأوطان ونهضة المجتمعات، لذا كانت دولة الإمارات في مصاف الدول التي عنيت بالتعليم واعتبرته حاضنة للإبداع، التي من شأنها أن تنتج جيلاً مزوداً بأدوات ومفردات النهضة والتقدم وصنع الحضارة، ولا تدخر الحكومة جهداً في تطويره ورفده بالأساليب التربوية الحديثة المتسقة مع الاهتمامات المجتمعية، فالتعليم ليس مسؤولية حكومية فقط، لكنه مسؤولية المجتمع، فتطويره والنهوض به يقعان على عاتق الجميع ، من قيادات تربوية ومعلمين وأولياء أمور وطلبة، لاسيما أن القيادة الرشيدة للإمارات أولت تطوير التعليم وتجويد المخرجات اهتماماً ودعماً كبيراً، لبناء أجيال متسلحة بالعلم والمعرفة، تستطيع مواكبة المستجدات العالمية والمتغيرات المتسارعة، وتحقيق التنافسية العالمية في القطاعات كافة. وتتفق الآراء على أن التعليم منارة تهتدي بها العقول، كركيزة أساسية للرقي والرفعة ورسم مستقبل الأبناء في المجتمع، والأمر هنا ليس فردياً، بل يحاكي في مضمونه مسارات واتجاهات الدولة أيضاً، فالدولة الّتي تحافظ على نظامها التعليميّ، تستطيع أن تتفوّق في جميع المجالات علمياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، لذلك نجد الإمارات ركزت ضمن أهداف أجندتها الوطنية وخططها المستقبلية على تطوير التعليم، وإحداث نقلة نوعية في مكوناته كافة، لتواكب النظم التعليمية المتقدمة في مختلف دول العالم. ولاشك في أن وزارة التربية والتعليم بدأت فعلياً مسيرة تطوير التعليم، وحددت مساراته الجديدة وأهدافها في المرحلة المقبلة، من خلال خطتها الاستراتيجية 2015 -2021، التي تحاكي في مجملها فرص وإمكانيات الإمارات التي تكفل لها تحقيق الطفرة النوعية المطلوبة في قطاع التعليم، والتي تتوافق مع توجهاتها نحو المراكز الأولى عالمياً في مختلف المجالات خاصة العلمية، وتتسق مع التزامات الإمارات الدولية بترسيخ مفاهيم الاستدامة في التعليم والتحولات العالمية الملحة لهذا القطاع الحيوي لما بعد عام 2015. لكن الميدان التربوي شهد في الآونة الأخيرة، ثقافة جديدة تمثلت في لغة الشكوى التي باتت سائدة، وسجلت حضوراً لافتاً نسمع من خلاله أصواتها جميعاً، وكأن وزارة التربية تغرد في سرب، والميدان التربوي يغرد في آخر. فلما كان الطالب هو محور العملية التعليمية، جاء التغير والتطوير في مسارات التعليم من أجل بنائه وتأهيله وإعداده للمستقبل، وفق مهارات القرن 21، ووفق ما آلت إليه دول العالم المتقدم في هذا الشأن، ولكن واقع الحال يؤكد أن الطلبة أصابهم نوع من الجمود وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، وباتت العطلة الموسمية أو عطلة المناسبات تحقق الفرح والسعادة للطلبة بشكل غير مسبوق. ولم يقل المعلم أهمية عن الطالب في الميدان التربوي، إذ يمثل العمود الفقري للعملية التعليمية، فهو المربي والمؤهل لأجيال المستقبل، والنهوض بمستواه المهني والفكري والعلمي يعد أمراً حتمياً، ولكن نجده مازال يشكو تدني الراتب والمزايا والحوافز والترقية، ويتفاعل سلباً مع كل قرار تصدره وزارة التربية، ما يؤثر على أدائه المهني والفكري. أما أولياء الأمور، نجدهم محملين بالكثير من الهموم والأعباء ويعيشون حالة من القلق والترقب بصفة دائمة، تارة بسبب الدوام وأخرى بسبب مواعيد التقويم المدرسي، وثالثة بسبب الحافلات وعدم التزام البعض منها، ورابعة ركزت على انخفاض المستوى العلمي لأبنائهم، وخامسة بسبب تناقض بعض القرارات التي جاءت تمثل أعباء عليهم وأبنائهم، فضلاً عن العبء المالي الذي يخلفه إلحاق أبنائهم في مدارس خاصة، وتحملهم لـ فنون وإبداعات هذه المدارس في رفع الرسوم عاماً بعد عام. مشهد الميدان التربوي وحركة التطوير والمرحلة الانتقالية التي يعيشها التعليم، جميعها أسباب دفعت الخليج إلى أن تفتح ملفاً خاصاً يروي واقع التعليم في الإمارات، لعلنا نتلمس حلولاً جذرية تسهم في حل بعض الإشكاليات في الميدان التربوي، وتساعد الوزارة على رأب الصدع بين جميع أطراف المعادلة، وتقضي على التباعد في وجهات النظر بين ما تخطط له لنهضة التعليم وتحقيق نقلة نوعية واعدة له، وما تعانيه وتطمح إليه عناصر الميدان التربوي بفئاته كافة، ليظل التّعليم الحاضنة الأولى للإبداع وبناء الأجيال.
مشاركة :