يطيب لي مخاطبتكم بصورة مباشرة، لستُ ناقدًا، وإنما مقدرًا لكل الجهود التي تبذلونها من أجل الوطن العزيز علينا جميعًا، بالإضافة إلى أن عددًا منكم يعرفني وأعرفه بصورة شخصية، وربما بعضكم لا يعرفني ولم يسمع عني قط، إلا أنه من الجيد أن أخصص وقتي اليوم معكم لنتحدث ونتحاور في بعض الأمور وبعض القضايا التي أجدها مهمة وتحتاج منكم إلى التفكير وخاصة ونحن مقبولون على الموسم الجديد للانتخابات، وهو انتخابات عام 2022. أيها السادة، جميعنا يعلم أنكم في مركز التشريع من الدولة، فأنتم الجهة التشريعية والمراقبة لعمل الحكومة وأنت أعلم بوظائفكم والعمل الذي يجب أن تقوموا به، ونحن وأنتم تعلمون أن التشريع يحتاج إلى فكر وعمل تخطيطي، وقدرة ذهنية على التخطيط للأمور والقضايا والأزمات والمشاكل، ودعونا نبتعد عن المصطلحات الأكاديمية حول التخطيط والتخطيط الاستراتيجي فمثل هذه المصطلحات لا تخدمني اليوم، وكذلك لسنا نريد أن نضع فكرنا في كيفية وضع الرؤية أو الرسالة وكل تلك الأمور المتعلقة بالتخطيط الاستراتيجي، إلا أني أريد أن أركز على الفكر التخطيطي والعمل ضمن مخطط واضح ومرتب وممنهج، وهذا هو حديثي معكم اليوم. فالتخطيط من هذا المفهوم – أيها السادة – هو فن التعامل مع المستقبل، وأنه الوظيفة المبكرة، أو نقطة البداية في أي عملية تنموية مستقبلية، وأنه يتضمن تصميم الأهداف، وتقييمها، واختيار المناسب منها، وتحديد كيفية بلوغها، من خلال برامج عمل طويل وقصير المدى، وأن هذه الأهداف هي بمثابة معايير؛ لقياس الأداء الفعلي، وعلى ذلك فالتخطيط كما نفهمه يقوم علـى عنصرين أساسيين: التنبُّؤ بالمُستقبل، والاستعداد له. ومن جانب آخر فإن التخطيط – في الكثير من الأحيان – يتعلق ببعض القضايا والإرث القديم والأزمات التي تعاني منها المؤسسات، لذلك فإنه يجب أن يتم التعامل مع كل هذا الإرث والأزمات بعقلية والتفكير التخطيطي حتى يمكن إدارة كل ذلك الإرث والأزمات بمنهجية علمية حتى لا تتوارثها الأجيال المستقبلية، بدلاً من التخبط العشوائي ومحاولة وضع الحلول «البنادولية» التي لا تنفع. وحتى يتم ذلك فإن على المخطط أن يقوم بدراسة شمولية متكاملة للبيئة الداخلية والخارجية للجهة أو المؤسسة التي تعيش الأزمة أو القضية التي تعاني منها، أو لدراسة مستقبل تلك الجهة، وهذا يعني أن ندرس العوامل الاجتماعية، والعوامل الاقتصادية، والعوامل السياسية، والعوامل التشريعية، والعوامل الثقافية التعليمية، والعوامل التكنولوجية، والتأثيرات الخارجية الواقعة على تلك المؤسسة، وبعد ذلك نشرع في تحليل المشكلة أو الأزمات من خلال وضع أهداف واضحة وقابلة للتنفيذ والتطبيق، وإن كنا نفكر في المستقبل فإنه يجب أن نضع بعض التنبؤات المستقبلية للموضوع تحت الدراسة، ولا يمنع أن نضع مجموعة من البدائل والسيناريوهات لكل تلك الأهداف والأفكار على أن نفكر بصورة إبداعية ومبتكرة، فمهما حاولنا أن نضع نفس الأهداف ونفس الأفكار فإننا لن نخرج من عنق الزجاجة، لذلك علينا أن نتوسع في تفكيرنا وتنمو أفكارنا وأن نفكر – كما يقال – خارج الصندوق. وبعد ذلك يمكن أن نعمل تطابقا ما بين أولوياتنا ودراستنا للمؤسسة التي نعمل لها المخطط، لنقلل من الأهداف ونختار منها الأهداف والأفكار الموضوعية القابلة للتنفيذ، بمعنى أن نغربل كل ما توصلنا له من أفكار وأهداف. وبعد العديد من المراحل التي لا نريد ذكرها هنا نصل إلى مرحلة تحويل كل تلك الأهداف إلى خطط تنفيذية، بمعنى أن نحول الهدف إلى برنامج عمل يمكن تنفيذه وتحويله إلى واقع ملموس، أي أن نحول ما كتبناه على ورق إلى حقيقة يمكن لمسها والاستشعار بها. لماذا نقول ذلك، بسبب أن البحرين – مثلها مثل كل دول العالم – تعاني الكثير من المشاكل والأزمات، فماذا قدمتم من خطط مستقبلية للجهات التنفيذية لإدارة كل تلك الأزمات ؟ فمثلاً: أولاً: الأمن الغذائي: جاء في استراتيجية البحرين للأمن الغذائي التي أطلقت في يونيو 2021 أن البحرين تعاني من بعض التحديات المهمة المتعلقة بالأمن الغذائي، مثل: { المخاطر التي تنجم عن الاضطرابات البيئية، المناخية، الاقتصادية، الاجتماعية، وانتشار الأوبئة. { محدودية الموارد الطبيعية المحلية والمتمثلة بندرة المياه، وقلة هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، ومحدودية الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة، وغياب الأفضلية النسبية في الزراعة التقليدية. { المشاكل المتعلقة بنقل وتطويع استخدام التقانات الزراعية الحديثة. { المشاكل المتصلة بالسياسات الاستثمارية، التجارية، التسويقية. { الزيادة السكانية، واستمرار الهدر الغذائي، وقلة الأيدي العاملة في الزراعة. ولكن هذا الملف يحظى باهتمام كبير من لدن عاهل البلاد المفدى، حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لما يمثله هذا الملف من أهمية للأجيال الحالية والمستقبلية. وبناء على ذلك وضعت هذه الاستراتيجية بالاشتراك بين حكومة مملكة البحرين ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، ونعرف أن هذه الاستراتيجية هدفت إلى ضمان حصول جميع المواطنين والمقيمين في مملكة البحرين بشكل مستدام على الأغذية الكافية والآمنة والمغذية التي تلبي احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية لأجل حياة نشطة وصحية. وهذا أمر جيد لا خلاف فيه أو عليه، ولكن في نفس الوقت فقدت البحرين الأرض الممنوح لها في السودان التي كان من المفترض أن يتم استغلالها منذ ما يقارب 8 سنوات على الأقل، كما حدث لبعض الدول التي استأجرت قطعا من الأراضي في السودان الشقيق لنفس الغرض، وإن كانت الأرض عادت إلى حضن البحرين مرة أخرى بعد مشاورات سياسية، إلا أنه هل تساءلتم أيها السادة لماذا لم تستغل هذه الأرض الممنوحة للبحرين منذ 10 سنوات؟ لماذا أخذت كل هذه الدراسات المتعلقة بمعرفة كيفية استغلال هذه الأرض كل تلك السنوات؟ على الرغم من ان بعض الدول الشقيقة تجني اليوم كل تلك المنتجات التي تتمتع بها أسواقها؟ أيها السادة النواب، هل لديكم خطط بديلة ومنهجية وخارطة طريق مستقبلية وضعت من قبلكم مع الجهات التنفيذية في ملف الأمن الغذائي؟ هل يمكن أن نطلع عليها من خلال وسائل الإعلام المختلفة؟ ثانيًا: البطالة والعمالة الوافدة: لا يستطيع أحد أن ينكر اليوم أن البحرين تعاني من أزمة بطالة، على الرغم من تكاثر أعداد العمالة الوافدة التي تزاحم أبناء الوطن من أجل لقمة العيش. في عام 2018 كشفت الاحصائيات أن العمالة الوافدة يبلغ عددهم حوالي نصف مليون نسمة، ويشكلون حوالي 161 جنسية، وكل هؤلاء من الطبيعي أنهم أتوا إلى البحرين من أجل لقمة العيش، ولكن نسأل من أين يأخذون لقمة العيش؟ عدد منهم يعمل في مناصب عليا كان من الأولى أن تخصص لأبناء البحرين العاطلين عن العمل، وعدد منهم يعملون في بعض الأعمال المساندة مثل العمل في السوبرماركت والأسواق وما إلى ذلك، وهذه الوظائف أيضًا يمكن أن يعمل بها أبناء البحرين، وعدد لا يستهان به يعمل في التسول وفي جمع الأوراق وعلب الألمنيوم من براميل القمامة ثم يذهب ليبيعها لبعض المحلات التي تشتري الخردة نظير بضع دنانير زهيدة، وكان من الأجدى على الجهات التنفيذية أن تعمل مصانع خاصة لإدارة المخلفات بدلاً من تلك المناظر التي نشاهدها بصورة يومية لهؤلاء العمال الذين يرمون القمامة على قارعة الطريق للبحث عن علبة ألمنيوم وما شابه ذلك. ليس ذلك فحسب، كل هؤلاء العمالة لو قام كل شخص منهم بتحويل دينار واحد من راتبه – فقط دينار – لخارج الوطن بصفة شهرية، فكم كل تلك المبالغ التي تخرج من البحرين إلى تلك الديار البعيدة؟ بالإضافة إلى العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي تسببها هذه العمالة الوافدة. أيها السادة النواب، أين خططكم ومخططاتكم لإدارة مشكلة البطالة وإحلال الشباب البحريني محل هؤلاء؟ لا نريد خطبا رنانة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما نريد برنامج عمل قصير وطويل المدى، يقدم للجهات التنفيذية لإدارة هذه الأزمة؟ نحن نعلم أنكم تصرحون وتتحدثون في هذا الأمر كثيرًا سواء في مجالسكم أو من خلال منصاتكم الاجتماعية، ولكننا نريد برنامج عمل، وخططا وفكرا تخطيطيا، فهل نقرأ يومًا عن ذلك؟ ليس ذلك فحسب، وإليكم بعض الأزمات الأخرى، مثل: ثالثًا: السكن: فهل من المعقول أن ينتظر الشاب البحريني 20 سنة بطولها وعرضها حتى يحصل على منزل العمر بعد انقضاء العمر؟ رابعًا: الازدحام المروري: كانت الكثير من الدول تعاني الأمرين من مشكلة الازدحام المروري ولكنها اليوم عندما تسير في شوارعها، لا تجد أي مشكلة أو ازدحام يؤرق، فماذا فعلتم في هذا الموضوع ؟ خامسًا: التعلم الإلكتروني ومدارس المستقبل: لماذا واجهنا مشكلة في التعليم أثناء جائحة الكورونا على الرغم من ان البحرين تعد من أوائل الدول العربية التي أعلنت أنها تسير في تطبيق مدارس المستقبل؟ هل لديكم خطط مستقبلية في التعليم إن واجهنا – لا سمح الله – أزمة جديدة؟ سادسًا: الزيادة السنوية للمتقاعدين: ما زال موضوع الزيادة السنوية التي سحبت من أموال المتقاعدين موضوعا عالقا، فهل لديكم خطط لإعادة أموال المتقاعدين إليهم مرة أخرى؟ سابعًا: التجار الصغار ورواد الأعمال: تعاني هذه الفئة من الكم والثقل والضغط الكبير عليها من جراء الرسوم التي تفرضها هيئة سوق العمل والتأمينات الاجتماعية والجهات المعنية، فما خططم حيال ذلك؟ أيها السادة، وهنا الكثير من القضايا والأزمات التي تحتاج إلى فكر وعقلية تخطيطية، فهل يمكن أن نشاهد ونقرأ في المستقبل القريب بعض الخطط الممنهجة لحل كل تلك الأزمات صادرة من مجلس النواب؟ الفكرة من كل ذلك أيها السادة النواب، نريد أن نخرج من التصريحات الرنانة والأقوال الإعلامية إلى العمل المخطط والتنظيم الإداري الذي يرتقي بالدولة والإنسان. ولكم مني تحية. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :