إنما هذا كله اختلاف العبارات

  • 9/11/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بين الفينة والأخرى، تظهر موجات تكفيرية، هنا وهناك، من طرف ضد طرف، أو أطراف ضد أطراف، ومع الاعتراف بأن هذه الموجات قد خفت كثيرا، بسبب الضبط والربط، إلا أن عودة الكتابة عن الموضوع ذاته ضرورية، حتى تختفي تماما، بحول الله تعالى. ربما لا يفطن هواة التكفير إلى أن هذا العمل الشنيع له آثاره الدنيوية قبل الأخروية، وفي مقدمتها لزوم التفريق بين الزوجين، وعدم إبقاء أولادهما تحت سلطة أبيهما، وضرورة محاكمته، وإن مات لا يصلى عليه، ولا يدفن مع أقرانه، وأيضا لا يرث، ولا يورث، أما الآثار الأخروية فيكفي عدم مغفرة الله، واستحقاق اللعنة الإلهية، كما جاءت بذلك النصوص القرآنية.. في معرض التحذير عما تقدم ذكره، سجل القرآن الكريم عتابا ربانيا على صحابي جليل من أصحاب سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اسمه أسامة بن زيد، رضوان الله وسلامه عليه، لما قتل رجلا شك في سلامه وإسلامه، قال سبحانه وتعالى في الآية 94 من سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}، وأكد العتاب عليه، سيدنا رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه، لما حكى له ما حصل أثناء بعثة حربية: «أدركت رجلا»، فقال: «لا إله إلا الله»، فطعنته؛ فقال له: «أقال: لا إله إلا الله، وقتلته؟».. وكرر عليه قوله: «أفلا شققت عن قلبه»، حتى قال سيدنا أسامة: «..تمنيت أني أسلمت يومئذ»، والحديث بكامله في الصحيحين.. من أنفس منقولات ومقولات العلماء الصادقين، ما ذكره الإمام الذهبي، رحمه الله، في الجزء 15 من كتابه الشهير «سير أعلام النبلاء»، قال: «رأيت للأشعري كلمة أعجبتني، وهي ثابتة رواها الإمام البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: أشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات؛ قلت: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدا من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم»، وشخصيا أراه تطبيقا عمليا لما فعله سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، الذي لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: «هم إخواننا بغوا علينا».. أختم بأن من الراسخ، والواجب علمه، أن المعاصي، وإن تعاظمت، كتناول المسكرات، وفعل غيرها من الكبائر، بل حتى القتل، لا يجوز تكفير المبتلى بها، ودليل ذلك تسمية الله، سبحانه وتعالى، الطائفتين المتقاتلتين بالمؤمنين ـ {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ـ وكذلك قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما»، إذ سماهما معا بنفس الاسم؛ وهو ما يعني ضرورة الفهم بأن حكم التكفير وحتى أضرابه ومقدماته، والفصل في ذلك ليس بالأمر الهين، ولا هو بالمتاح؛ دون إثبات واضح وصريح يقوم به القضاة العالمون بالشرع والدين.

مشاركة :