بعد التطور الهائل لأساليب الحياة وبعد الطفرة التكنولوجية التي يشهدها العالم يومًا بعد يوم، أصبحت البيئة حولنا شيئًا فشيئًا متبينة بالشكليات لا العمق، وأصبح كل شيء مرتبطًا فقاموا بتحويل بعض النعم إلى نقم من خلال التعدي على حقوق الغير والبيئة حولهم، ونسى البعض كونه جزءاً من كُلّ في منظومة الحياة بل ظن بأنه هو الكل وما حوله جزء فصال وجال في كِبر بالغ، مسخرًا لسانه وفعاله لمصلحته أولاً في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية. إن السياسة ما هي إلا إدارة الأنماط المتعددة لنشاط التفكير الإنساني ضمن استراتيجيات محددة ولا يشترط أن تكون نتاجًا لعلاقة بين إنسان وإنسان بل قد تكون علاقة إنسان بحيوان أو نبات أو حتى جماد، ومن هذه الأنماط علاقة الإنسان ببيئته، وعلاقته بالأرض وما يملك عليها، فإعمار الأرض مثلاً يقتضي حماية البيئة ومكوناتها ومنع إتلاف طيباتها التي رُزقنا إياها وذلك يعد جزءًا من سياسة الإنسان ببيئته. قد نرى البعض يعيث في الأرض فسادًا ويلوث ويتلف، وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أن علاج التلوث البيئي لا يمكن أن يعالج بسن القوانين والتشريعات لأن التلوث البيئي مرتبط بأمراض نفسية: كالطمع والجشع، وغياب الرؤية الصحيحة، كل ذلك متجذر في داخل الإنسان، فإذا أردنا علاجه علينا معالجة النفس أولاً وتلقينها جيدًا لكيلا تتسبب في هلاكنا إذا ما ظلت على تلك الشاكلة. عزيزي القارئ، تذكر بأن هذا الكون ليس ملكك، وهذه الأرض ليست ملكك إنما أنت مستخلف فيها، بل تلك الأرض هي بيت الله فلا تلوث أرض الله وكأنك لست مكلفًا بحمايتها، بل كن كما خلقك الله: مستخلفًا معمِرًا للأرض. إن دور الإنسان في الحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية يعد سبيلاً للحفاظ على التوازن البيئي بشتى أنماطه، وكذلك هي سياسة التشجير (الاستزراع) التي تعد من أبرز التكاليف لمناصري الحفاظ على البيئة، وسبيلاً لتحقيق النظافة البيئية بعيدًا عن أوساخ التحضر. أما النظافة فهي مسألةٌ أخلاقيةٌ في المقام الأول، فأخلاقنا يجب أن تبعدنا تلقائيًا عن كل قذارة وترشدنا نحو التحلي بأخلاق المؤمن النظيف قلبًا وقالبًا. خلاصة القول تكمن في أن الفرد منا يجب أن يتعاطى مع بيئته على حسب المذهب الاستنفاعي وروح الإعمار من خلال تحقيق التوازن بين الاستفادة من مواردها وبين الرؤية التي تقتضي ضرورة إعمارها أي أن يتعامل كل فرد مع بيئته في جهتين آخذًا ومُعطيًا، على أن يكون التعاطي استخلافي إعماري وليس استخدامي لتلبية احتياجاته المادية والمعنوية فقط. ولابد أن يعي كل فرد بأن ملكيته لكل ما رزقه الله به ما هي إلا ملكية اعتبارية وذلك لا يعني أبدًا إتاحة حرية التصرف له بما يظن بأنه يملك وإتلافه لبيئته أو تسببه لضرر ما لجزء من البيئة مهما كان بسيطًا أو صغيرًا. ] سوسن يوسف
مشاركة :