تقوم المصارف المفتوحة Open Banking على فكرة ربط مصارف التجزئة والمؤسسات المالية الأخرى مع شركات التكنولوجيا المالية (Fintech)، وتعرّف الخدمات المصرفية المفتوحة بأنها الخدمات التي تمكن عملاء المصارف من شركات ومؤسسات وأفراد من دمج معلومات حساباتهم المصرفية في جميع المصارف في منصة إلكترونية واحدة عبر الإنترنت، أو من خلال تطبيقات الهواتف الذكية، كما تعرّف أيضا بأنها خدمة عبر الإنترنت توفر معلومات مدمجة حول حسابات الدفع المتعلقة بمعاملات العملاء مع مختلف المصارف ومصدري البطاقات (أو شركات التمويل) ومزودي خدمات الدفع، وكذلك مع أطراف أخرى مرخصة من الجهات الرقابية المتخصصة في كل دولة (طرف ثالث)، بهدف تعزيز الابتكار وتحسين المنتجات وتقديم مجموعة أكبر من الخدمات للعملاء، وانطلاقا من إيمان البنك المركزي السعودي بأهمية الخدمات المصرفية المفتوحة، وإمكاناتها في دعم عملية الارتقاء بالقطاع المالي والمصرفي السعودي، واستكمالا لجملة السياسات التي اعتمدها البنك لتحقيق أكبر قيمة مضافة ممكنة من التكنولوجيا المالية. وبعد دراسة مستفيضة لتجارب دول عديدة في مجال الخدمات المصرفية المفتوحة، أعلن البنك المركزي السعودي «ساما» إصدار «سياسة المصرفية المفتوحة» في مطلع شهر يناير 2021. موضحًا أن «المصرفية المفتوحة ستعزّز الثقة بكل من العملاء والمشاركين في السوق من البنوك، وشركات التقنية المالية، والجهات المالية الأخرى، وأصحاب المصلحة، حيث تؤدي جميع هذه الأطراف دورًا محوريًّا في رحلة الابتكار والشمول المالي»، حيث تؤدي جميع هذه الأطراف دورًا محوريًّا في رحلة الابتكار والشمول المالي، وأشار البنك في ورقة سياسة المصرفية المفتوحة إلى أن إطلاق الخدمات المصرفية المفتوحة في المملكة سيتم عبر ثلاث مراحل منفصلة الأولى: مرحلة التصميم، حيث يتم التركيز على التقنيات والعمليات التي تتضمنها المصرفية المفتوحة، ووضع أطر الحوكمة التي تنظم عمل المشاركين في السوق، ومن المقرر أن تنطلق في النصف الأول من عام 2021. أما المرحلة الثانية: فهي مرحلة التنفيذ، ويتم خلالها وضع الأطر المحددة والبنى التحتية للتقنية وأنشطة الإطلاق ومنها اختبار المنتجات والخدمات مع المشاركين في القطاع المالي، وتعزيز وعي العملاء بمتطلباتها وبالقيمة المضافة التي تنجم عنها ويتوقع إنجازها في النصف الثاني من عام 2021. والمرحلة الثالثة: هي مرحلة إطلاق المصرفية المفتوحة باعتماد نهج تدريجي لدعم وتعزيز وعي العملاء وضمان التحسين المستمر في تطوير البنية التحتية، وخطط اعتمادها في النصف الأول من عام 2022 إن شاء الله، وخاصة أن المصرفية المفتوحة تعد قوة دافعة للابتكار في الصناعة المصرفية، من خلال الاعتماد على الشبكات الرقمية بدلا من المركزية التقليدية التي كانت سائدة في القطاع المصرفي، وبالتالي فإنها تساعد عملاء الخدمات المالية والمصرفية على مشاركة بياناتهم المالية بشكل آمن مع المؤسسات المالية الأخرى وبخاصة مع شركات التكنولوجيا المالية التي لا يمكن لها الانطلاق بشكل واسع وتحقيق وفوراتها إلا عبر المزيد من البيانات المالية للعملاء، ما يتيح بيئة أكثر تنافسية بين المؤسسات المالية والمصرفية، وتجعل فرص التعامل والاستفادة من الخدمات التي تقدمها للعملاء أكثر مرونة وسهولة، وتيسر للعميل فرصا أفضل للاطلاع والمعرفة الواسعة حول المؤسسات المالية والمصرفية التي تتناسب مع رغباته وقدراته، والاطلاع على أنماط الخدمات المالية الجديدة. وقد شمل المسح الوطني للتكنولوجيا المالية السعودية 2021 خدمات المصرفية المفتوحة، وتم عرض آراء عينة المسح حولها في المحور الرابع من تقرير نتائج المسح الوطني للتكنولوجيا المالية السعودية الموسوم بـ(خدمات المصرفية المفتوحة)، وقد اتضح منه أن نسبة 52% من الأفراد المشاركين في المسح، ونسبة 32% من الشركات المشاركة في المسح ليس لديهم الرغبة في مشاركة بياناتهم البنكية مع أطراف خارجية حتى وإن كان ذلك يحقق لهم خدمات أفضل، بينما وافق نحو 86% من عينة المسح على مشاركة بياناتهم البنكية مع شركات الخدمات المالية المنظمة، وعموما فإن هذه النتائج تتشابه كثيرا مع نتائج مسوح أجريت في العديد من الدول التي سبقت المملكة في تطبيق نظام المصرفية المفتوحة، إلا أن الرأي العام نحوها سرعان ما يتغير باتجاه الترحيب فيها بعد جني ثمارها. أما المحور الخامس والأخير من محاور تقرير نتائج المسح الوطني للتكنولوجيا المالية السعودية الموسوم بـ(أهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات) والذي يعني الأهداف التي تتبناها الشركات لتحقيق الاستدامة على الصعيد البيئي والاجتماعي لأنشطتها المختلفة بما يتعلق بحوكمة الشركة، حيث تكتسب هذه الأهداف أهمية كبيرة في القطاع المالي على المستوى العالمي، وقد ترافق ذلك مع زيادة وعي العملاء في الاستثمارات الأخلاقية وتنامي المسؤولية الاجتماعية للشركات، وتقييم أهداف الشركة كجزء من عملية اختيار مقدمي الخدمات المالية. وقد ظهر من نتائج المسح أن نسبة 62% من العملاء يعتبرون أن أهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات عامل مهم في اتخاذ القرار عند اختيار مزود الخدمات المالية. وفي الختام لا بد من الإشادة بالجهود الطيبة التي بذلها مركز فنتك السعودية في إعداد وتنفيذ هذا المسح الذي يعد وقفة ضرورية للتعرف على توجهات المواطنين والمقيمين في المملكة تجاه التطورات المتسارعة في حلول التكنولوجيا المالية وتطبيقاتها بالمملكة العربية السعودية، آملين أن يكون المسح القادم أكثر شمولا وأعمق مضمونا، وأن يتضمن التقرير الذي يعرض نتائجه آخر البيانات والإحصاءات المتعلقة به في المملكة، مع مقارنات مع أفضل عشرة دول في هذا المجال، لكي يتاح للقراء من العاملين في القطاع المالي والمصرفي والأكاديميين والباحثين وغيرهم الوقوف بشكل أفضل على مختلف قضايا وانشغالات التكنولوجيا المالية بالمملكة والعالم، ومن الله التوفيق والسداد. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :