شهدت مملكة البحرين خلال السنوات الاربع الماضية جهودا مؤسسية متواصلة لبلورة بيئة تنظيمية جاذبة للتكنولوجيا المالية يقودها مجلس التنمية الاقتصادية، ومصرف البحرين المركزي تقوم على عدة عناصر منها: أولا: التعريف بالتكنولوجيا المالية وتقنياتها ومتطلباتها وابتكاراتها والوفورات التي تحققها من خلال عقد أو استضافة المؤتمرات والورش التدريبية والحلقات النقاشية الإقليمية والدولية. ثانيا: التعاون مع المؤسسات والشركات المعنية بالتكنولوجيا المالية في الدول الصديقة مثل سنغافورة، والشقيقة مثل دولة الامارات العربية المتحدة، لتبادل الخبرات والمرئيات بالقضايا التقنية والتشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالتكنولوجيا المالية. ثالثا: تحفيز المبتكرين وشباب الاعمال للاستثمار في مجال التكنولوجيا المالية وإنشاء الحاضنات والمسرعات والمختبرات التنظيمية التي توفر لهم متطلبات النجاح. رابعا: تحفيز شركات الاتصالات والتكنولوجيا لأخذ المبادرة في ارساء قواعد البنية التحتية للتكنولوجيا المالية. خامسا: دعوة شركات التكنولوجيا المالية الناجحة في مختلف دول العالم لفتح فروع لها في البحرين، والدخول في شراكات مع الشركات الوطنية. سادسا: توجيه البنوك والمؤسسات المالية الوطنية للتعاون مع شركات التكنولوجيا المالية الوطنية الناشئة ومشاركتها أو توفير التمويل المناسب لها. سابعا: إصدار مجموعة من التشريعات واللوائح والنظم الجاذبة والمحفزة للتكنولوجيا المالية. ثامنا: توجيه الوزارات والمؤسسات الحكومية برقمنة اعمالها واعتماد الاساليب التقنية في مختلف مناشطها ولا سيما تلك التي ترتبط بالمواطنين والمقيمين في البلاد لخلق بيئة متسقة ومستوعبة لمتطلبات التكنولوجيا المالية وما يرتبط بها من تقنيات كالذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، والبيانات الضخمة، والإنترنت فائق السرعة، والتكنولوجيا الرقابية، والتكنولوجيا التنظيمية، والمحاسبة السحابية وغيرها. تاسعا: الاهتمام بالتدريب والتعليم التقني لأعداد الموارد البشرية المواطنة المؤهلة للتعامل مع ادارة التكنولوجيا المالية في البلاد. عاشرا: انشاء مؤسسات داعمة وراعية للتكنولوجيا المالية. بالإضافة إلى ذلك فإن مملكة البحرين تمتلك عوامل ومقومات راسخة تؤهلها للريادة في صناعة التكنولوجيا المالية إقليميا، والتي يأتي في مقدمتها امتلاكها خبرات متراكمة في التعامل مع الانشغالات والتحديات والمستجدات المالية والمصرفية تربو على قرن من الزمان، فهي مركز مالي ومصرفي إقليمي وعالمي مرموق يضم نحو (400) مؤسسة مالية ومصرفية وطنية وإقليمية وعالمية. فضلا عن استضافتها لمنظومة متنوعة من المؤسسات الداعمة للمؤسسات المالية والمصرفية مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية الدولية، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، والوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف، ومركز طومسون رويترز العالمي للتمويل الإسلامي، ومركز معارف التمويل الإسلامي «ديلويت». وتتميز المملكة بعلاقاتها التفاعلية مع الهيئات والشركات والبنوك العالمية الاكثر خبرة في مجال التكنولوجيا المالية، وشركات الاتصالات المتطورة، وشركات الدفع الإلكتروني، وشركات التأمين، وموفري البنية التحتية، وحاضنات ومسرعات الأعمال، والمستثمرين المبتكرين، ورواد ومنظمات الاعمال إقليميا وعالميا. بجانب السوق الإقليمية الكبيرة التي تنفتح عليها مما جعل منها مركزا إقليميا للاعمال. علاوة على الميزة النوعية الكبيرة التي تتمتع بها وهي الموارد البشرية الشابة المؤهلة، والذين يمثلون الركيزة الأساسية في صناعة التكنولوجيا المالية. ولأهمية التشريعات المالية والمصرفية في خلق البيئة التنظيمية المواتية لتوطين شركات التكنولوجيا المالية قام مصرف البحرين المركزي بإصدار العديد من التشريعات ذات الصلة بالتكنولوجيا المالية مثل التشريعات المتعلقة بالأصول المشفرة، والتشريعات المتعلقة بالاستشارات الإلكترونية، التشريعات المنظمة للعقود الإلكترونية، والتشريعات الخاصة بالبلوكتشين، لتضاف إلى ما تم تحقيقه من تعديلات عديدة على التشريعات المالية والمصرفية، أهمها التعديل الخاص بالحوسبة السحابية، حيث إن البحرين أول دولة في المنطقة سمحت للمؤسسات المالية بأن تستخدم الحوسبة السحابية بشكل كامل. وبتوجيه ودعم من مجلس التنمية الاقتصادية ومصرف البحرين المركزي تم تأسيس مركز الخليج للتكنولوجيا المالية عام 2018م، الذي يمثل أكبر مركز متخصص بالتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويضم في الوقت الحاضر اكثر من (80) شركة، من (12) دولة، تقدم خدمات التكنولوجيا المالية بطريقة أو بأخرى، منها شركات من السعودية والإمارات والكويت، وأمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، وإفريقيا، بالإضافة إلى الشركات البحرينية. ويتيح خليج البحرين للتكنولوجيا المالية الفرصة لتطوير وتسريع ونمو شركات التكنولوجيا المالية، فضلا عن تحفيز ودعم التعاون بين المستثمرين، ورواد الأعمال، والجهات الحكومية والمؤسسات المالية لاعتماد منتجات التكنولوجيا المالية، والاستفادة من فرصها التنموية. كما لعب المصرف دورا مهمًّا في تأسيس أول مركز للتكنولوجيا المالية الإسلامية والتنمية المستدامة في عام 2018 الذي سمي بـ«المركز العالمي للتكنولوجيا المالية الإسلامية والمستدامة»، حيث يسعى من خلال هذا المركز إلى تسليط الضوء على كيفية تسريع نمو المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية بطريقة مستدامة ومسؤولة عن طريق استخدام التكنولوجيا المالية، خاصة ان البحرين مركز رائد في الخدمات المالية والمصرفية الإسلامية. كما ان بإمكان النظام الرقابي للتكنولوجيا المالية والصيرفة الإسلامية في البحرين دعم المشاريع الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية الإسلامية والمستدامة في المنطقة والعالم أجمع مما سيساهم في تعزيز مكانة البحرين كمركز عالمي في التكنولوجيا المالية الإسلامية والمستدامة. وقد نجحت مملكة البحرين نجاحا باهرا في مجال تجسير العلاقة بين البنوك والمؤسسات المالية من ناحية، ومع شركات التكنولوجيا المالية واعتماد تقنياتها في تطوير انظمتها واعمالها المصرفية من ناحية اخرى، من خلال إطلاق منصات تقنية لشركات التكنولوجيا المالية لاختبار وتطوير حلولها المالية، واعتمدت بنوكا أخرى وتأسيس صناديق استثمارية خاصة بالاستثمار في شركات التكنولوجيا المالية أو الدخول في تحالفات معها، بينما قامت مجموعة من البنوك بتوفير مسرعات وحاضنات لشركات التكنولوجيا المالية لتساعدها على النمو والابتكار، على أن تستفيد من هذه الابتكارات في أعمالها فيما بعد. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :