تمتلك طلّة خاصة تجمع بين الهيبة والحميمية، نظراتها تحمل شموخ الجبال ورقة مشاعر الفنان، شخصيتها القوية تخفي وراءها امرأة تعتز بذاتها، وترفض استعراض آلامها ولحظات ضعفها أمام أحد، إنها الفنانة القديرة سميحة أيوب، سيدة المسرح العربي. صوتها المميز والشجي يجذبك إليها جذباً جميلاً، ويخضعك فلا تستطيع أن تتحدث قبل أن تنتهي هي من حديثها. إنها تاريخ يسير على قدمين، عرفت طريقها إلى عقل وقلب كل مشاهد في الوطن العربي وحفرت لنفسها على مدى 50 عاماً مكانة ذهبية في تاريخ الفن، قدمت خلالها نحو 170 مسرحية و40 فيلماً سينمائياً، والعديد من المسلسلات والسهرات التلفزيونية. تحت رعاية قرينة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، وبدعوة من المكتب الثقافي والإعلامي بالمجلس الأعلى للأسرة بالشارقة، أضاءت سميحة أيوب، في سماء الشارقة بضعة أيام للمشاركة في الحفل الثقافي الخيري النغم والكلم ضمن حملة القلب الكبير. وإذا كانت أمتعتنا على مدار تاريخها الفني بعطائها السخي في المسرح والسينما والتلفزيون، فإنها أجزلت لنا العطاء في هذا الحوار، وأعطتنا وقتها وفكرها وذكرياتها وآراءها في الفن والسياسة والحياة، في السطور التالية.. * كيف كانت زيارتك لإمارة الشارقة؟ - علاقتي بإمارة الشارقة وثيقة وممتدة، وسعدت بها كثيراً، وأنا دائمة التردد عليها، وسبق أن لبّيت دعوات للمشاركة في مناسبات وفعاليات ثقافية عديدة، ولكنني في كل مرة أزور الإمارة ألاحظ تغييرات حقيقية وخطوات للأمام وللأفضل على كل المستويات. أنا لا أتحدث فقط عن المباني والمعمار وإنما يشمل التقدم مفردات المواطن، فالإنسان هو نتاج حضارته، ورأيت بالفعل تقدماً ملحوظاً في مفردات الإنسان الإماراتي وسلوكياته وتغييراً للأفضل ثقافياً واجتماعياً وسلوكياً، وهذا دليل التحضر والرقي بلا شك، وهو نتيجة الجهود الحثيثة والمتواصلة لنشر الثقافة والوعي والارتقاء بالفرد والمجتمع التي تحملها على عاتقها القيادة الحكيمة للإمارة. * ماذا عن مشاركتك في حملة القلب الكبير؟ - المشاركة في مناسبة خيرية سامية مثل حفل النغم والكلم، ضمن حملة القلب الكبير تسعد كل من يسهم بها، ودعتني إليها الشاعرة صالحة غابش، مدير عام المكتب الثقافي والإعلامي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، واخترنا معاً القصائد التي ألقيتها في الاحتفال لتكون متنوعة وتحمل من كل بستان زهرة وتخاطب مشاعر مختلفة، فتنوعت بين القصائد الوطنية، واحدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخرى لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إلى جانب قصائد للشعراء صلاح جاهين ونزار قباني وفاروق جويدة. وشارك في عرض هذه القصائد لوحات فنية بديعة من التعبير بالموسيقى والأغاني قدمتها مجموعة من الفتيات المبدعات بالشارقة. * وماذا عن بداية علاقتك باللغة العربية؟ - أحب اللغة العربية كثيراً، على الرغم من أنني لم أكن أجيدها في صغري لأنني تخرجت في إحدى المدارس الفرنسية، وتعلمت اللغة العربية في معهد الفنون المسرحية على يد الأستاذ الكبير أبوالمجد، الذي درّس للرئيس الراحل أنور السادات اللغة العربية، والفضل في إتقاني للتمثيل بالفصحى يرجع لزكي طليمات، الذي أسميه كاسحة ألغام لأنه يعبد الطريق للفنان ليوصله إلى النجاح، وأغلب الفنانين الكبار في العالم العربي خرجوا من عباءة طليمات، فهو أخذ على عاتقه مهمة تأسيس العديد من المعاهد الفنية بداية من مصر إلى ليبيا والكويت وتونس، لا تزال هذه المعاهد تفرخ لنا فنانين موهوبين. * سكة السلامة من أشهر مسرحياتك، ولكن كيف ترين القيادة في مصر؟ - مصر تسير في سكة السلامة تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي حبانا الله به. إنه رجل جاد ومحب للبلد ولا يدخر جهداً لتصحيح مسار الدولة وتحسين أوضاعها، ولكنه بالطبع لا يملك عصا موسى فيستطيع أن ينهي كل المشاكل في يوم وليلة، وأعتقد أنه لا ينام ولا يتوقف عن التفكير والعمل لمصلحة البلد وهو صمام الأمان لمستقبل مصر. * كيف رأيت الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب المصري؟ - للأسف لاحظت أن وسائل الإعلام اتخذت موقفاً مضاداً لها، وصورت للمشاهد أن الإقبال ضعيف للغاية، بينما تلقيت مكالمات هاتفية من معارفي في القاهرة طمأنوني وأخبروني أن الإقبال طبيعي وأن الصورة ليست كما ظهرت في الإعلام. * ما رأيك في خلط الفن بالسياسة وانحياز الفنانين إلى تيارات معينة؟ - الفنان سياسي بالدرجة الأولى ولديه منبر يستطيع أن يعبر منه عن مواقفه السياسية، وإذا غاب عنه تبنيه لموقف سياسي سيكون أداؤه واختياراته ضحلة وتخلو من الرسالة والهدف. ولكنني أعارض بشدة تصنيف الفنان أو تبنيه لمواقف حزب معين والتصرف بتوجيهات تخدم مصالح الحزب، فالفنان يجب أن ينتمي لحزب الثقافة والحضارة ومصلحة المجتمع. * هل الدراما نجحت في مواكبة الأحداث التي يمر بها الوطن العربي؟ - الدراما انعكاس للواقع وليست منفصلة عنه، فإذا كان الواقع مضطرباً فستكون الدراما بدورها مضطربة. وما نراه اليوم من أفلام عنف هي نوع من الهستيريا أو الهلوسة التي تعكس حالة الاضطراب في المجتمع، خصوصاً أن المعلن ورأس المال يتحكمان في الصناعة في الوقت الحالي، بينما يتراجع الاهتمام بأسلحة الفن والثقافة. وأنا متفائلة بتحسن الأحوال سياسياً واجتماعياً قريبا وسينعكس ذلك على الدراما. * وهل للدراما دور في مواجهة القوى الظلامية؟ - بالطبع. وهو دور توعوي، وأتصور أن استخدام أسلحة الثقافة والمعرفة ونشر الوعي، عن طريق الفن والدراما والمسرح، أقرب وسيلة لصياغة وجدان الفرد وتشكيل حائط صد في عقل كل شخص، يحميه من الانسياق وراء التطرف والعنف. فانحسار الفن والثقافة وتقليص دورهما يجعل الفرد فريسة سهلة للجهل والتطرف والقوى الظلامية. * حدثينا عن سميحة أيوب الأم والجدة. أمومتي سرقت مني بسبب العمل بالمسرح وانشغالي الدائم وكنت أعهد لأمي بتربية أبنائي كما ربتني فهي الوحيدة المؤتمنة عليهم،ولكن مسؤوليتي تجاه أسرتي لم تتراجع يوماً من الناحية التربوية والمادية والسلوكية. (تضحك) ولكنني سعيدة حالياً لأن الله رزقني بحفيدي يوسف علاء محمود مرسي (7 سنوات) ليعوض ما فاتني فأنا أقضي معه أوقاتاً من المرح والسعادة وأمارس معه أمومتي التي لم أعشها مع أبنائي وهم في مثل سنه. * بعد غياب طويل، عدت إلى السينما في فيلم تيتة رهيبة مع الفنان محمد هنيدي، كيف جرى ذلك؟ - كنت ممتنعة عن العمل في السينما لمدة 18 عاماً، لاعتراضي على تشابه الأدوار وتكرارها، بينما أدواري في المسرح أكثر قيمة وأهمية وإشباعا لقدراتي، فالمسرح هو عشقي الأول، لهذا قررت مقاطعتها واستبدلتها بالعمل بالدراما التلفزيونية. ولكن حدث أن تلقيت اتصالاً من المخرج سامح عبدالعزيز ولم أكن أعرفه مسبقاً، ولكنه عرفني بنفسه على أنه مخرج فيلمي كاباريه والفرح وهما من الأفلام التي استمتعت بمشاهدتها في السنوات الأخيرة. وبعد مقابلتي معه فوجئت بأن الدور الذي يعرضه من النوع الكوميدي فدُهشت للغاية ولكنه أكد لي أنه كوميديا راقية ويقدم فكراً مختلفاً وجديداً بالنسبة لكل ما قدمته في السينما في السابق فوافقت وتراجعت عن موقفي الرافض للسينما وقدمت فيلماً كوميدياً لأول مرة في حياتي وسعدت بالتجربة كثيراً، وبكواليس العمل المرحة والمنضبطة. * أحيانا يشكو أبناء الجيل الذهبي من عدم التزام نجوم هذه الأيام. هل صادفت ذلك في خلال الفيلم؟ - على العكس تماماً، مفاجأتي الكبرى كانت باكتشاف محمد هنيدي والتعامل معه، ووجدته إنساناً جميلاً ومهذباً، يلتزم بالسيناريو والبروفات وكان سعيداً للغاية بتعاوننا في الفيلم وكانت تجربة بناءة وناجحة. كما أنني وجدت صعوبة أثناء الفيلم فأنا لا أحب التعامل مع الكلاب أو القطط نهائياً، واستغرقت وقتاً طويلاً حتى أعتاد التعامل مع الكلاب البوليسية المدربة جيدا، وكان المدرب الخاص بها يساعدني في ذلك، ودائماً يحضر أي مشهد يتم تصويره ويقف بعيداً لتوجيهها والتدخل في الوقت المناسب، خصوصاً أنني كنت أخشى التعامل معها، المطلوب أن أبدو مسيطرة تماماً عليها. ومن المواقف الطريفة التي جرت أثناء التصوير، في المشهد الذي جمعني بهنيدي داخل سيارة يقودها وأنا إلى جواره، أحاول التغلب على خوفي من الكلبين القابعين ورائي، وفجأة يقفز الكلب إلى المقعد الأمامي ومنه إلى النافذة. كان موقفاً لن أنساه. * الفن أعطاك الشهرة والنجومية وحب الناس، فماذا أخذ منك؟ - أخذ مني متعتي بأبنائي ومتابعتهم وهم يكبرون أمام عيني. لم يكن لدي وقت لانشغالي الشديد بالمسرح وببناء ذاتي واسمي، ولكن الشهرة لم تزعجني يوماً لأن حب الناس المقترن باحترام الفنان والتقدير لقيمته تسعد صاحبها. * هل وجدت الحب في حياتك؟ - الفنان محمود مرسي كان الحب الأول في حياتي، وتزوجنا وأنجبنا ابني علاء، وانفصلنا ونحن أصدقاء وعبر اتفاق بيننا. أما سعد الدين وهبة فغلّفت علاقتنا الزوجية الصداقة والاحترام والعشرة الطيبة وأكثر ما يبقي العلاقة العاطفية في رأيي هو وجود الاحترام والصداقة والصراحة. أما جذوة الغرام المتقد فتنطفئ بعد أيام قليلة من الارتباط. ذات مرة سألني زوجي المرحوم سعد الدين وهبة عن ترتيب الأولويات في حياتي فأجبته: المسرح ثم المسرح ثم المسرح ثم أبنائي ثم أنت، وتقبل صراحتي، فالصداقة بيننا سمحت لنا بالمصارحة بهذه الطريقة. * ما رأيك في مستقبل المسرح القومي؟ - المسرح القومي مر بظروف صعبة ولكن جرى افتتاحه أخيراً، بعد إغلاقه لمدة 8 سنوات لتجديده، وعرض مسرحية ألف ليلة وليلة ليحيى الفخراني أعادت الإقبال الجماهيري عليه. * وماذا عن مسرح الشباب؟ - من أبرز وجوهه خالد جلال فنان موهوب ويحتضن الشباب ويدربهم وينتج أعمالاً مميزة وحضرت له مسرحية قهوة سادة مرتين واستمتعت كثيراً بها واستطاع الشباب الملتزمون أن يضحكوني ويمتعوني بالعرض. * ماذا يبكي سميحة أيوب؟ - في أوقات لا تسقط دموعي أبداً، رغم أنني قد أنهار بعدها بأيام. وأذكر واقعة عندما تعرض سعد الدين وهبة لإطلاق النار في السبعينيات وفي طريقي لزيارته بالمستشفى كان بصحبتي الفنانة سناء جميل والفنان عبدالله غيث، وكانت سناء تبكي بشدة ولكنني لم أستطع أن أبكي. ووجدتني أميل على سعد في فراشه وأهمس له ضاحكة: يا سلام يا سعد، يا ترى الناس هتقول إيه لما تشوف سناء تبكي وأنا جامدة؟، المفاجأة أنني انهرت بالبكاء في اليوم الذي شفي فيه تماماً وعاد إلى المنزل. وتكررت نفس ردة الفعل معي حين جاءني خبر وفاة ابني الأكبر في الخارج، وجدتني بلا حراك أو دموع. واتصلت بالسيد أحمد ماهر، وزير الخارجية المصري حينها، وسألته عن الإجراءات المتبعة لإحضار الجثمان من الخارج. ووجدته يواسيني وتعهد لي بأن يتولى كل هذه الأمور. وظلت الدموع عصية طوال أيام ولم يحدث لي الانهيار إلا في جامع السيدة نفيسة ونحن نصلي صلاة الجنازة. وفي أوقات أخرى يثير تعاطفي ودموعي مشهد طفل صغير يبكي مثلا. * بماذا تصفين شخصيتك؟ - إنسانة بسيطة مثل أي امرأة عادية. وإذا كان البعض يراني قوية فذلك لأني لا أحب استعراض آلامي وأفضل أن أحتفظ بهمومي لنفسي، فإذا ضاق صدري بهمومي أغلق باب غرفتي عليّ وأنهار بكاءً ثم أظهر على الآخرين بوجهي الذي تعودوه مني، فأنا أراها قدرة على ضبط النفس أكثر منها قوة. المرأة في الدراما ترى سميحة أيوب، أن الدراما قدمت المرأة المصرية والعربية في صورة متواضعة إلى حد بعيد، وتقول: الدراما قدمتها إما شخصية متسلطة أو ضعيفة قليلة الحيلة، على الرغم من أن المرأة في مجتمعاتنا مسؤولة تماماً عن بيتها وأولادها وعملها، فهي تمنح وتمنع، وهذه هي الشخصية المتوازنة التي يجب أن تقدمها الدراما. أما بالنسبة للمرأة العربية فهي لم تحصل على حقها، خصوصاً الأم الفلسطينية، التي لم تستطع الدراما أن تقدم ما يليق ببطولتها وشجاعتها وكفاحها، كيف تفقد أولادها وتتلقى خبر استشهادهم وهي صابرة وتزفهم إلى السماء بالزغاريد. أي مشاعر وأي فقد؟ لم يستطع أي مؤلف أو كاتب دراما حتى الآن أن يجسد المرأة الفلسطينية بشكل لائق ويقدمها في عمل متكامل. عمل للأطفال تبدي سيدة المسرح العربي، أمنيتها في الوقوع على عمل جيد للأطفال لا يستخف بهم أو بعقولهم ويضيف لهم معنى وقيمة، وتقول: إن أطفال اليوم يتمتعون بالوعي والإدراك والذكاء، وعن تجربتي الشخصية مع حفيدي ذي السبع سنوات فهو يصلح لي الموبايل، إذا تعذر علي استخدامه، لذلك فأي عمل فني مقدم لمثل هؤلاء الأطفال يجب أن يحترم ذكاءهم ولا يستخف بهم. المولد انتهت الفنانة سميحة أيوب، أخيراً من تصوير فيلم المولد مع المخرج سامح عبدالعزيز، بالاشتراك مع كوكبة كبيرة من فناني مصر، من بينهم سوسن بدر وصفية العمري ومحمود الجندي وأيتن عامر وماجد الكدواني، وكل الأبطال أدوارهم صغيرة ولكنها مؤثرة وفعالة في الفيلم. وتدور أحداث الفيلم كلها في ليلة واحدة هي ليلة المولد، وتؤدي أيوب خلاله دوراً مختلفاً وجديداً عليها تماماً، بحسب ما تقول، إذ تمثل دور خادمة المقام بأحد المساجد.
مشاركة :