شهدت مكتبة الإسكندرية أمس افتتاح مؤتمر الثقافة العربية استحقاقات مستقبل حائر، الذي يشارك فيه ما يزيد على 300 مثقف مصري وعربي. افتتح المؤتمر كل من الدكتور واسيني الأعرج، الكاتب الجزائري والأستاذ في جامعتي الجزائر والسوربون، والدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، والدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات المركزية في مكتبة الإسكندرية، والدكتورة منى فياض الكاتبة والأستاذة الجامعية. أعلن الدكتور إسماعيل سراج الدين في بداية المؤتمر عن ثلاث مبادرات جديدة ستبدأها مكتبة الإسكندرية لخدمة الثقافة العربية، وهي: مشروع ذاكرة الوطن العربي على غرار مشروع ذاكرة مصر المعاصرة الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية، ومبادرة ديوانية الشعر العربي التي ستبدأ في يناير / كانون الثاني 2016، ومبادرات الشراكة مع المؤسسات الثقافية في الوطن العربي، التي تهدف إلى تضافر الجهود ضد القوى الظلامية، وأفكار التطرف. وتحدث الدكتور واسيني الأعرج عما أطلق عليه الوضع البائس الذي تعيشه المجتمعات العربية، مبيناً أن الثقافة أصبحت جزئية ثانوية، وتدهورت القضية الثقافية في ظل التفكك العنيف للدولة العربية التي لا تتيح فرصة لبناء منظومة ثقافية جديدة. وأكد أن مسألة الانفصال هي من القضايا المهمة التي يجب أن نتأملها حينما نتطرق إلى الثقافة العربية، فقد عانى المشروع الثقافي العربي من أزمات كثيرة، وممارسات غير صحيحة، فالممارسات السابقة تحتاج إلى وقفة، وإلا سنعيد إنتاج المعوقات السابقة. ولفت إلى أن تلك الممارسات تعود بنا للقرون الوسطى والتيارات المتطرفة، مؤكدًا أن علاقة تلك التيارات بالثقافة علاقة متطرفة وتدميرية، وأن الثقافة هي المستهدف الأساسي من الحوادث الإرهابية حول العالم كالحادث الأخير في باريس. وشدد على أن الدولة لا يمكن أن تقوم بدور الرقيب على الثقافة، بل يجب أن تكون مساهمة ومشاركة في العملية الثقافية، ومن هنا يأتي السؤال: كيف نجعل من الثقافة وسيلة للمواطنة؟ وأكد أن النقد يجب أن يكون جزءاً أساسياً في المشروع الثقافي العربي القادم، كما يجب أن نتخطى الرؤية التقديسية للأشياء، وأن نتمكن من نقد ما أنتج سابقًا. وأضاف: يجب أن ننظر للمسألة الثقافية من بعدها المتعدد. هل العنصر الديني مازال فاعلاً؟ ماذا نريد من المجتمع؟ كيف نتمكن من خلق جيل مميز؟. وشدد في نهاية كلمته على أن المشروع الثقافي العربي يحتاج إلى رؤية تعددية، رؤية واضحة من طرف الدولة المتبنية لمشروع المواطنة، ويحتاج إلى جهد متكاتف من المثقفين. وتحدثت الدكتورة منى فياض عن مفهوم الثقافة، مشيرة إلى أنها تتفق مع التحليل الأنثروبولوجي لمفهوم الثقافة، الذي يتضمن البعد الثقافي المخفي، فالثقافة تؤثر في وجودنا ونظرتنا للأشياء، وتعد وسيلة للرؤية والتأويل والنظر والتعامل مع العالم، وتحتوي على الأدوات والمواثيق والمعتقدات. وشددت على أهمية الاهتمام بالتربية والمعرفة مثل الاهتمام بالعلم، فهؤلاء الذين يقومون بتنفيذ أعمال إرهابية حصلوا على تعليم تقني عال دون معرفة أسباب ابتكار التقنيات، والحرية الفكرية التي سمحت لهذا الإنتاج الفكري. ولفتت إلى مجموعة من الجوانب التي يجب الاهتمام بها لمواجهة العوائق في مجتمعاتنا العربية: وأهمها الديمقراطية، وتأمين الحريات، ومكافحة الرقابة بكافة أشكالها، والإصلاح الديني على مستوى الوطن العربي، والمشاركة السياسية، وإصلاح التربية والتعليم، وتحفيز الابتكار والعمل والإنجاز، وحماية حرية التعبير، ومواجهة النقص في إنتاج المعرفة، ومواجهة القصور على الصعيد التربوي، والاهتمام بالتربية المدنية، والعمل على تكوين رأي عام فاعل. وألقى الدكتور إسماعيل سراج الدين كلمة حول إنجازات مكتبة الإسكندرية في العام الأخير، مبينًا أنها استقبلت عدداً أكبر من القراء والزوار من داخل وخارج مصر، حيث بلغوا نحو مليون زائر حتى الآن، كما وصل عدد الفعاليات المقامة سنوياً إلى 1100 حدث، ووصل عدد الكتب في المكتبة إلى مليوني كتاب، كما أصدرت المكتبة 431 عنواناً جديداً منذ عام 2002. وتحدث عن الدور الذي أخذته مكتبة الإسكندرية على عاتقها بالتعاون مع المثقفين والمفكرين المصريين والعرب، لمكافحة التطرف والإرهاب، حيث قام المثقفون والمفكرون بتشكيل تحالف لمواجهة التطرف، بدأ بمؤتمر نحو استراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب والتطرف الذي أقيم بمكتبة الإسكندرية في بداية هذا العام. وأكد أن المكتبة تقوم بعدد كبير من المشروعات التي تحارب التطرف الفكري، ومن أهمها مشروع إعادة إصدار مختارات من التراث الإسلامي الحديث، الذي يهدف إلى إحياء التراث الإسلامي الحديث، والمحافظة عليه، والإسهام في نقله للأجيال المتعاقبة، وتقديم نماذج ورؤى حضارية تسهم في خروج أمتنا من حالة التراجع التي تعيشها، وتأكيد أهمية التعاون فيما ينفع البشرية، من خلال طرح الآراء المستنيرة للمفكرين والإصلاحيين من أبناء العالم العربي والإسلامي.
مشاركة :