لإلقاء الضوء على مناورات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الرامية إلى تحقيق مكاسب سياسية لشخصه عن طريق الكذب، روى لي المستشار السياسي لنتانياهو أنه كان يتناول الغداء معه، فطلب شطيرة بيرجر، وهو محظور عليه بأمر الطبيب. وبعد أن أكل نتانياهو جزءا كبيرا من الشطيرة، دخلت زوجته سارة وبدأت بتقريعه، فقال نتانياهو مدافعا عن نفسه، إنه لم يأكل بيرجر أبدا. وقال لي المستشار إنه كان مقتنعا في تلك اللحظة أن نتانياهو نفسه كان يعتقد ذلك. كثيرا ما يتبنى نتانياهو أفكارا سيئة يدعمها بالتلفيق والكذب ويقنع نفسه بصوابها، بل ويقنع بها أنصاره أيضا. وفكرته الغريبة الأخيرة التي أشاعها حول إبادة اليهود تلقي الضوء على الهدف السياسي الذي كان يريد تحقيقه خلالها. فلقد ادعى نتانياهو في خطابه الأخير أن أدولف هتلر لم يكن ينوي إبادة اليهود، بل كان ينوي طردهم، لولا مفتي القدس الحاج أمين الحسيني الذي حرَّضه على الإبادة، بدلا من الطرد، خوفا من أن يذهبوا إلى فلسطين. كان نتانياهو يهدف من كلامه إلى أن يجعل "التحريض" محور القضية، حتى يقول للعالم إن التحريض هو المسؤول عن موجة العنف الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يقول النقاد إن نتانياهو بفعله ذلك شوه قصة المحرقة التي هي تُعد مقدسة بالنسبة لليهود، بتشويهه الفاضح للتاريخ وعدم الدقة في نقله بأمانه. يتجاهل نتانياهو الصلة بين الغضب الفلسطيني وسلوك إسرائيل، ويريد للمواطن الإسرائيلي والعالم أن يصدق أن الفلسطينيين وراء ذلك التحريض وخطاب الكراهية. يتجاهل نتانياهو أيضا تصفية الفلسطيني حامل السكين المشتبه بمحاولة قتله إسرائيليا في الموقع، بينما يحرق مستوطنون إسرائيليون منزل عائلة فلسطينية، ولا يُقدم المعتدون للعدالة، كما يجري التضييق على الفلسطينيين في القدس، ويستمر الاحتلال وبناء المستوطنات. يتجاهل نتانياهو كل ذلك، ولا يعده كافيا لتحريض الفلسطينيين على الغضب، ولذلك فهم في حاجة إلى التحريض وخطاب الكراهية حتى يغضبوا ويثيروا، هذا ما يريد لشعبه وللعالم أن يصدقه، وبه يمكن تفسير ادعائه الأخير بأن فلسطينيا، هو الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، كان وراء المحرقة! ترتبط المقاومة الفلسطينية الآن بأقصى أعمال الدمار المادي الذي لم يواجهه اليهود في أي وقت مضى، فبالتالي يجب على اليهود في إسرائيل وفي كل مكان اتخاذ الحذر دائما من الدمار الذي سيحيق بهم بسبب سياسات إسرائيل التي تهدف إلى مساعدة نتانياهو على البقاء في الحُكم.
مشاركة :