توقع مختصون في سوق النفط الخام استمرار حالة التذبذب السعري وعدم الاستقرار في الأسواق الدولية خلال الأسبوع الجاري بعد أن خسر خام برنت والخام الأمريكي نحو 5 في المائة من قيمتهما السعرية خلال الأسبوع الماضي. وقالوا إن حالة عدم الاستقرار ناتجة في الأساس عن تأثر السوق بمجموعة من المؤثرات المتضادة وهو ما يصب في اتجاه استمرار التقلبات السعرية المتوالية. وأشاروا إلى أن النفط الخام تلقى دعما من خفض الفائدة في الصين وهو ما يعزز الإقبال على شراء الخام، كما تلقى دعما آخر من صعود الأسهم الأمريكية إلا أن ثلاثة عوامل هي ارتفاع المخزونات والكميات الإضافية المعروضة في السوق وصعود الدولار الأمريكي عرقلت تعافي الأسعار في سوق النفط الخام على حد تعبيرهم. وبحسب المختصين فإن حالة وفرة المعروض وتنوع الإمدادات ما زالت ترهق كاهل السوق وتعطل تعافي الأسعار على النحو الملائم لأغلب المنتجين وتواكب ذلك مع تراجع في نشاط مصافي التكرير بسبب موسم الصيانة . ويقول لـ "الاقتصادية"، فرانك يوكنهوفر مدير مشروعات سيمنز في بلجيكا وهولندا، إن الاجتماع الوزاري المقبل لمنظمة أوبك في كانون الأول (ديسمبر) القادم سيحدد الكثير من برامج عمل المنظمة في الفترة المقبلة وسيكون تأثيره كبيرا في سوق النفط، مشيرا إلى أن الإشكالية الأكبر ستكون فكرة الإقدام على تغيير سقف الإنتاج اليومي لأوبك والمقدر بنحو 30 مليون برميل يوميا. وأضاف يوكنهوفر أن هناك ضغوطا لخفض هذا الإنتاج بقيادة فنزويلا دعما للأسعار ولتخفيف الأعباء على كاهل المنتجين بعد أكثر من عام ونصف العام من تراجع حاد في الأسعار وضغوط أخرى من احتمالية رفع الإنتاج بسبب انضمام إندونيسيا إلى أوبك وإضافة إنتاجها لإنتاج المنظمة حيث إن الإبقاء على مستوى الإنتاج نفسه يتطلب إعادة توزيع الحصص بين الدول الأعضاء وهو ما قد لا يقبله الكثير من الأعضاء. وأوضح يوكنهوفر أن زيادة إنتاج أوبك هو الأرجح بسبب زيادة حدة التنافس على الحصص السوقية ورغبة إيران في القفز بصادراتها النفطية بمجرد رفع العقوبات كما يتسارع الإنتاج في العراق وفي العديد من دول أوبك. وأشار يوكنهوفر إلى أن زيادة الإنتاج ستشعل المنافسة بقوة مع روسيا خاصة مع نجاح السعودية أخيرا في الدخول إلى أسواق شرق أوروبا وبدء تصدير النفط الخام إلى بولندا التي كانت خاضعة لهيمنة النفط الروسي لعقود طويلة. ويرى يوكنهوفر أن حالة وفرة المعروض ستستمر بعض الوقت حيث يراهن الجميع على تراجع المعروض الأمريكي بسبب ارتفاع التكلفة ولكن ضخامة الإنتاج والمنافسة في السوق قد ينحصران بين أوبك وروسيا بشكل أساسي في الفترة المقبلة. ويقول لـ "الاقتصادية"، إن أوسكار آنديسنر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، إن الانخفاض الحاد لأسعار الخام المستمر منذ قرابة عام ونصف العام كلف منتجي النفط فاتورة باهظة من الخسائر تقدر بنحو 360 مليار دولار في العام الماضي بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي مشيرا إلى أهمية دعم التعاون بين المنتجين من أجل إنقاذ السوق من مزيد من الانهيارات السعرية مع التركيز على تنويع الموارد وتقليص الميزانيات. وأشار آنديسنر إلى أهمية منع عمليات تهريب النفط والاتجار غير المشروع فيه الذي يتم على أيدي تنظيم داعش الذي تقدر أرباحه من هذا النشاط بحسب أحدث التقارير إلى 50 مليون دولار شهريا مؤكدا أن هذا الأمر يفت في عضد اقتصاد العراق الذي يعتمد بشكل رئيسي على تصدير النفط الخام كما يوجد في الوقت نفسه تنام كبير لعمليات تهريب النفط الخام في نيجيريا، وتسعى الحكومة للسيطرة عليها خاصة بعد أن وصل حجم التهريب إلى 250 ألف برميل يوميا. وقال آنديسنر إن وجود خطط تحفيز اقتصادي ناجحة في كل من الصين واليابان والاتحاد الأوروبي وهي آليات جيدة وفعالة ستنعكس إيجابيا على استقرار ونمو السوق لأنها ستؤدي إلى زيادة الطلب وتقاربه مع المعروض الدولي ما يبشر بقرب توازن السوق وتعافي الأسعار وتوقف مسلسل الانهيارات السعرية التي أرهقت الاقتصاد الدولي بخاصة في دول الإنتاج الرئيسة. وذكر آنديسنر أن الاجتماعات المستمرة للمختصين في الإنتاج في أوبك وخارجها قد تسفر عن تفاهمات جيدة لدعم سوق النفط خاصة مع محاولة احتواء خلاف في وجهات النظر بين دول الخليج وفنزويلا حول آليات دعم الأسعار. من جانبه يقول أموري لوفينز مؤسس ومدير معهد روكي مونتن الأمريكي لتكنولوجيا الطاقة، إن الصعوبات الحالية في سوق الطاقة خاصة فيما يتعلق بالطاقة التقليدية يتطلب سياسات جديدة ومتطورة لتنشيط الاستثمارات وجعلها أكثر قدرة على المواءمة مع الأسعار المنخفضة للطاقة ومواجهة المنافسة الناتجة عن الموارد المتعددة وتخمة الإمدادات. وأشار لوفينز إلى أهمية أن تركز الاستثمارات على تخفيض التكاليف الرأسمالية للوصول إلى معدل أداء جيد للاقتصاد مع العمل على تحسين كفاءة استخدام واستهلاك الطاقة الأمر الذي يحقق وفرا في الطاقة وفى نفس رخص تكاليف ومصروفات الإنتاج، وفى نفس الوقت تحقيق معدلات نمو أفضل وأسرع. وأوضح لوفينز أن ما حدث من تغيرات في سوق الطاقة أمر جوهري ومستقر وسيمتد تأثيره إلى السوق لفترات طويلة، والخريطة تغيرت بالفعل بفعل طفرة الموارد وزيادة الإنتاج، وأن هذا التحول – في تقديره – لا رجعة عنه لأنه تطور مهم ومؤثر في تاريخ إنتاج واستغلال موارد الطاقة حول العالم. ويعتقد لوفينز أن أهم وأكبر المستفيدين من هذا التغير هم أولئك القادرين على الوصول إلى أعلى مستويات الكفاءة في إنتاج الطاقة، وهم القادرون على التحول سريعا نحو زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة وتنويع الموارد ورفع مستوى الجودة. وكانت تعاملات الجمعة قد شهدت صعود أسعار الخام 1 في المائة بفعل توقعات بأن خفض الفائدة الصينية ربما يدفع أكبر مستهلك للطاقة في العالم إلى استيراد مزيد من النفط. لكن هذه المكاسب تلاشت مع صعود مؤشر الدولار إلى أعلى مستوياته في شهرين وهو ما يجعل النفط وغيره من السلع الأولية أكثر تكلفة على حائزي العملات الأخرى. ومنعت وفرة مستمرة في إمدادات النفط العالمية أسعار الخام من تحقيق انتعاش قوي على الرغم من تسجيلها ارتفاعات حادة متقطعة قليلة منذ أوائل أيلول (سبتمبر). وشهدت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة زيادات على مدى أربعة أسابيع متتالية وسط تراجع في نشاط مصافي التكرير أثناء موسم الصيانة في الخريف. وخفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد منصات الحفر النفطية للأسبوع الثامن على التوالي وهي أطول فترة منذ حزيران (يونيو). وقالت شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية في تقريرها الذي يحظى بمتابعة وثيقة إن شركات استخراج النفط أوقفت تشغيل منصة حفر نفطية واحدة في الأسبوع المنتهي في 23 تشرين الأول (أكتوبر) ليصل إجمالي عدد المنصات قيد التشغيل إلى 594 وهو الأدنى منذ تموز (يوليو) 2010 بعد أن أوقفت تشغيل ما إجماليه 80 منصة نفطية على مدى الأسابيع السبعة السابقة. والرقم الإجمالي لعدد المنصات النفطية قيد التشغيل الآن اقل من نصف العدد المسجل في الأسبوع نفسه قبل عام والبالغ 1595 منصة. ومنذ أن سجل أعلى مستوى على الإطلاق عند 1609 منصات في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي بلغ متوسط التخفيضات الأسبوعية في عدد منصات الحفر 19 منصة. وقال مختصون في بنك "جولدمان ساكس" إن العدد الحالي لمنصات الحفر النفطية يعني أن الإنتاج الأمريكي سينخفض بمقدار 40 ألف برميل يوميا في 2016.
مشاركة :