رحيل عمار السنجري عاشق التراث

  • 10/27/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

توفي أمس الكاتب عمار السنجري مسؤول شؤون المطبوعات والنشر في معهد الشارقة للتراث، وذلك جراء حادث سير مؤسف على طريق أبوظبي العين، والراحل أحد أهم المتخصصين في مجال التراث الشعبي الإماراتي، وهو خريج جامعة الإمارات، في تخصص الإعلام واللغة الإنجليزية، ومارس التدريس لفترة، وقد اتجه إلى التراث من خلال اهتماماته الأدبية، حيث بدأ وهو في الجامعة بنظم الشعر، والكتابة الأدبية، وقد لفت انتباهه ما يتمتع به الشعراء التقليديون في مدينة العين من قوة شاعرية، وخاصة كبار السن الذين كان كثير الجلوس إليهم والاستماع لأشعارهم، وساءه أنهم على قوة أشعارهم وجمالها، لم يحظوا بأي اهتمام إعلامي ولا بحثي، فكان أن أخذ على عاتقه مهمة التعريف بهم، من خلال حوارات معهم كان أولها مع الشاعر سعيد بن سالم الكتبي في منطقة الهير في العين، وأخيه حماد بن سالم الكتبي رحمهما الله، ومفرح بن محمد بن ثاني بالرويس الكتبي والشاعر معيوف بن شوين الكتبي، ونشرت تلك الحوارات في جريدة الخليج التي فتحت صفحاتها للسنجري وما في جعبته من كتابات عن ذلك العالم الأثير، وكان السنجري حينها يدرس في منطقة الهير التي تعرف فيها عن قرب إلى الحياة التقليدية وأحبها، وأحب الشعر النبطي، وفتح له ذلك أبواب تلك الحياة وتراثها، وأعجب بقيمها، قيم الخير والمحبة والتضامن، ومن هنا، ومن تلك الحوارات انطلق السنجري في عوالم الثقافة والتراث الشعبي الشفوي، وتشعب به البحث إلى كل جوانبه، فعمل باحثاً ميدانياً يتنقل بين المناطق وينبش أخبار التراث، ويقابل المسنين، ويسجل ما يروونه من حكايات، ويقدمونه من أوصاف للحياة القديمة وأشكال التراث الشعبي وأنواع الفنون، هذا إلى جانب قراءته المستفيضة في المؤلفات القديمة، وكتب المستشرقين والرحالة والباحثين الغربيين والإداريين الاستعماريين الذين كتبوا عن المنطقة، محققاً ومقارناً ومستنتجاً، رائده في ذلك أن يقدم صورة واضحة لتراث الإمارات، وأن يسهم في حفظه للأجيال. أنتجت مسيرة السنجري البحثية مجموعة كبيرة من الأبحاث والكتب والدراسات المتعلقة بالتراث الشعبي منها: كتاب التاريخ الشفاهي في دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2004 عن إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وتنبع أهمية الكتاب من كونه ينحاز إلى حد كبير للمادة المروية الشفاهية، ففي الفصل الأول ما هو التاريخ الشفاهي يؤكد المؤلف على جرعة الصدق التي يتضمنها التاريخ الشفاهي كونه يصدر من أناس عاصروا أحداث التاريخ المروي وتعايشوا وجدانياً مع هذه الأحداث، وحفظوها في صدورهم بدقائقها كما تأثروا بها فرسخت في أذهانهم وكانت جزءاً من ذاكراتهم التي لا تمحوها الليالي والأيام، وتتبع المؤلّف في هذا الكتاب الكثير من التفاصيل الدقيقة لحياة وقيم المجتمع، كما يشير إلى مقارنة لافتة، حيث يشبه شخوص كتابه وهم (الشفاهيون) بأبطال الإلياذة وروايات العصور الوسطى الأوروبية، والملاحم الإفريقية، وفي الفصل الثاني أهمية المصادر الشفاهيّة يعالج المؤلّف قضايا أساسية تتضمن: ضرورة العناية بالوثائق البشريّة المتمثّلة في الرواة والشعراء وغيرهم من كبار السنّ باعتبارهم شهوداً على ماض مضى وانقضى، وباعتبارهم أوعية معرفية للتراث الشعبي، وأن ما يحملونه من كنوز في الآداب والموروث الشعبي قد يمتاز على الآداب المدوّنة، ويناقش الفصل الثالث مجموعة من العناوين المهمّة في حياة المجتمع الإماراتيّ: الأنساب كمدخل للدراسة، نوستالجيا البداوة، الصحراء فتنة الآخر، الجمع والتدوين، العودة إلى القبيلة، جهود الرحالة والمستشرقين في جمع ونشر الخبر، وأخيراً الشعر النبطي. من كتبه أيضا كتاب (شعراء ورواة من الإمارات) الذي صدر بعدة طبعات، أولها مركز زايد للتراث والتاريخ في العين عام 2005، ويمثل مجموعة حوارات أجراها الباحث مع ثلاثة عشر شاعرا وراويا من الإمارات، ويقول في مقدمته: هذه حفر موسعة في وجدان إنسان الإمارات، رحلة في تفاصيل المشاعر والذكريات، وتراث وتاريخ المنطقة، هي محاولة لتخليد اللحظة المارقة، كما هي محاولة جادة للإمساك بآثار ذلك الزمن الجميل مع رجال صنعوا ذلك الزمن بكل براءته وعنفوانه، يؤكد الباحث في هذا الكتاب على أهمية البحث الأنثروبولوجي، نظراً لتعرّض المجتمعات القبلية لكثير من المتغيّرات، ومن بين من حاورهم: عبيد بن معضد بن عبيد النعيمي، ومحمد بن عبيد بن نعمان الكعبي، وراشد بن محمد بالعبدة الشامسي المعروف بالحزيمي، وبلال بن خميس بن مبارك الدرمكي، وأحمد بن محمد بن دري الفلاحي، والشاعر عبيد بن محمد النيادي. ومنها كتاب ثقافات القبائل ورصد فيه عدداً من الموضوعات بالقبيلة والقبلية من الناحية العلمية، وهو يراه عالماً غنياً ويستحق الدراسة، حيث كان سابقاً حكراً على دراسات المستشرقين والرحالة والأنثروبولوجيين والأثنوغرافيين الغربيين الذين جاب بعضهم أنحاء من جزيرة العرب وكتبوا عن النظام القبلي فيها، كنظام حكم سياسي، ونظام قرابي سوسيولوجي، ويشرح السنجري في هذا الكتاب كيفية عمل النظام القبلي في الإمارات والدور الذي لعبه في حفظ العلاقات بين أفراد المجتمع وفئاته. تكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يسد ثغرة كبيرة في مجال الدراسات الأنثروبولوجية لمجتمع الإمارات، حيث يغوص عميقا في العادات، والتقاليد والأعراف والموروثات الشعبية واللهجات وما إلى ذلك، لكل قبيلة من القبائل، والأخلاقيات التي تحرص على صونها وتناقلها، وزرعها في عقلية كل فرد من أفرادها. ومن كتب السنجري أيضاً، كتاب المرمس وهو عبارة عن معجم مبسط للهجة العامية الإماراتية، حرصاً على أن يفهم المتابع لها معاني مفرداتها، ذاكرة الصحراء وفيه حواران مع سالم بن كبينة وسالم بن غبيشة اللذين رافقا الرحالة الإنجليزي ولفرد ثيسجر المعروف باسم مبارك بن لندن، وكذلك حوارات لشخصيات أخرى، وكتاب البدو بعيون غربية وهو قراءة نقدية في كتابات الرحالة والمستشرقين الغربيين عن البدو والصحراء.

مشاركة :