لا تقل لي من أنت أقل لك من أنت المكر يتعقب كل خبر وكل صورة تعليقا وتحليقا. مشهد يخفي الكثير من الحقائق رجل طويل القامة وعريض المنكبين، يبتسم للكاميرا وتكاد قدماه تلامس الأرض وهو يمتطي ظهر حمار قصير تبدو عليه علامات الإجهاد، وتتشبث به ابنته الصغيرة من الخلف، عند أول أيام العودة المدرسية في أقاصي الريف التونسي. تصدرت هذه الصورة مواقع اجتماعية كثيرة مقترنة بالتعليقات الساخطة على تقصير الحكومة تارة، والمشيدة برهان الدولة على التعليم تارة أخرى. لم ينبّه أحد ولم يندد بـ”جلافة هذا الرجل” وهو يقسو بوزنه الثقيل على حيوان ضعيف، ولم يكلف نفسه حتى الترجل قليلا في أرض وعرة. هكذا ضاعت الفكرة -مهما كان نبلها- في غمرة هذا المشهد الذي تندد به كل جمعيات الرفق بالحيوان في العالم، قبل التنبه إلى ما أراد ملتقط الصورة قوله.. وجاء صاحبها ليكحلها فأعماها كما تقول العامة. صورة ثانية تقاسمها الإسلاميون في تونس، لحشود قيل إنها من أنصار حركة النهضة أثناء وقفتها الاحتجاجية ضد الرئيس قيس سعيد، ولم ينتبه هؤلاء إلى شبان وشابات بجينزات مخزقة وتنانير قصيرة داخل ذلك التجمع.. لا شك أنهم قد ألحقوا جموع المارة والمتطفلين وكذلك الإعلاميين بالمشهد، سعيا منهم لترسيخ “جماهيرية النهضة”.. وهكذا ضاعت الفكرة في غمرة السكرة. كان هذا على مستوى الصورة ومحاولة ليّ عنقها في اتجاه نوايا مسبقة الصنع. أما على مستوى التعليق الذي مارس حريته محترما الخبر إلى حد التقديس فقد تضمنت إحدى الصحف التونسية خبرا مفاده أن كلبا عضّ مواطنا في مكتبة عمومية. وعلّق عليه صديق ساخرا في مدونته “أريد أن أعرف.. قولوا لي بربكم، ماذا يفعل مواطن في مكتبة عمومية؟”. نعم، إنها دائما فكرة التذمّر من أولئك الذين ينظرون إلى إصبعك ويغضون الطرف عن المكان الذي أشرت إليه، ولكن بالمقلوب، أي ضرورة التدقيق في هوية الإصبع التي امتدت للإشارة و التنبيه أو الإدانة والتشهير. من يدري..؟ فلربما كانت إصبعا مشبوهة ومضللة، استعراضية أو اعتباطية أو مصابة بالاعوجاج والحول. ومن هنا كان لزوما التحقق من المصدر ومصداقيته قبل التهافت على المعنى المتوقع والمريح. صحيح.. ما الذي يجعل مواطنا صالحا، يقصد مكتبة عمومية بكامل مداركه العقلية، ويسترخي بأمان بين المقاعد المهجورة ليقرأ كتابا في مكان غير مأهول.. ثم أنكم لم تقولوا لنا ماذا كان عنوان الكتاب. كل ما نتمناه أن يكون هذا الكلب ملقحا وأن تستنجد إدارة المكتبة العمومية في المستقبل بالإشارات التحذيرية من مغبّة المطالعة وتبعاتها غير محمودة العواقب، خصوصا في كتاب نجهل مضمونه. إنه المكر الذي يتعقب كل خبر وكل صورة تعليقا وتحليقا، فلا تقل لي من أنت، أقل لك من أنت. حكيم مرزوقي كاتب تونسي
مشاركة :