بدأت قصة التحوّل الرقمي في دولة الإمارات العربية المتحدة مبكراً، لتكرّس الدولة مكانتها باعتبارها رائدة عالمياً في الاستثمارات الحكومية والخاصة في التحوّل الرقمي وتبّني التطبيقات الذكية في مختلف القطاعات الاقتصادية والمجتمعية وتفاصيل الحياة اليومية، ما جعلها وجهة دولية مفضّلة عالمياً للعيش والعمل، ومقصداً لكل الباحثين عن بيئة متكاملة متطورة ذكية تتبنى كلّ جديد يسهّل حياة الناس، ويسرّع تقديم الخدمات ويختصر العمليات والإجراءات ويوفر في الوقت والجهد، ويوظف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تحسين جودة حياة الناس، وتوفير تجربة ذكية متكاملة لهم على أرض الإمارات. كانت دولة الإمارات سبّاقة على مستوى المنطقة في تطوير خطوات التحوّل الرقمي، حيث أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، منذ أكثر من عقدين، وتحديداً عام 2000 عن برنامج «الحكومة الإلكترونية» الذي شكّل الحجر الأساس لكل مبادرات التحوّل الرقمي اللاحقة على مستوى الدولة، مؤكداً سموه أن الهدف هو «ترسيخ ريادة دولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد التطور الإلكتروني». وشكّل الإعلان عن الحكومة الإلكترونية عام 2000 سابقة على مستوى المنطقة، وشرعت المؤسسات الحكومية في تحويل خدماتها إلى خدمات إلكترونية متاحة للمتعاملين والمستفيدين منها أينما كانوا وعلى مدار الساعة دون الحاجة إلى مراجعة مراكز الخدمة. وبدأت دولة الإمارات بتقديم حزم نوعية من الخدمات الإلكترونية في مختلف المجالات. وهو ما انعكس إيجاباً على تطوير بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات وتأسيس المجمعات الإبداعية المخصصة للأعمال مثل مدينة دبي للإنترنت التي تأسست عام 1999 وشكلت نافذة على مستقبل التحوّل الإلكتروني في المنطقة. التحوّل الإلكتروني ورسخّت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانتها نموذجاً عالمياً للتحول الإلكتروني، ووجهة مفضلة للمال والأعمال في المنطقة، وبيئة مثالية لمختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية، ووجهة جاذبة لأبرز المواهب والخبرات والشركات الإقليمية والعالمية، مع وجود رؤى استراتيجية واضحة وخريطة طريق لاستشراف المستقبل، والمساهمة في صناعته، بهدف تحقيق إنجازات نوعية شاملة في شتى القطاعات الحيوية، التي من شأنها تعزيز ازدهار الدولة بشكل مستدام، وضمان بناء مستقبل واعد لأجيالها، وتسهيل إجراءات إتمام المعاملات، والحصول على الخدمات، والتبادل التجاري، وصولاً إلى إدارة المشاريع بوساطة التحول الرقمي، خصوصاً في ظروف مثل جائحة كورونا، التي عبرتها الإمارات بكل اقتدار. مبادرات جديدة ودخلت الدولة مرحلة جديدة هي الحكومة الذكية عام 2013، هذه المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في مايو 2013 وشكلت نقلة نوعية من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومية الذكية، وصولاً إلى الحكومة الرقمية. ونجحت حكومة الإمارات في تحقيق التحول الذكي لخدماتها بشكل كامل، بما ينعكس أيضاً على المستثمرين، من ثلاث زوايا، الأولى الاستفادة من التحول الذكي والبنية الرقمية المتطورة في إدارة مشاريعهم وتطويرها بشكل يعتمد على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وثانيها خفض الكلف المالية والزمنية وزيادة سهولة ممارسة الأعمال، وثالثها تسخير التقنيات المرتبطة بالتحول الذكي لتوسعة هذه الأعمال وتطويرها ومنح المشاريع صبغة عالمية، من خلال التواصل مع كل قارات العالم بشكل ميسّر وآمن وعصري يتطابق مع التغيرات التي يشهدها العالم بشكل عام. استراتيجية الخطة الوطنية للحكومة الذكية وبعد الإعلان عن مبادرة الحكومة الذكية عام 2013، بدأت الإمارات عملية التحول الرقمي عبر سلسلة خطوات، حيث تم لاحقاً إطلاق الدليل الإرشادي للحكومة الذكية، الذي وفر مجموعة من الإرشادات للجهات الحكومية من أجل تهيئتها للتحول من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية، وتم إطلاق خريطة طريق الحكومة الذكية، والتي وفرت خطة لدولة الإمارات العربية المتحدة للانتقال من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية، ثم استراتيجية الخطة الوطنية لتحقيق أهداف الحكومة الذكية. التحوّل الرقمي وتمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة، من تعزيز البيئة الاستثمارية، عبر خطوات التحول الرقمي التي استفاد منها المستثمرون وقطاعاتهم، وذلك بإطلاق سلسلة من المبادرات والاستراتيجيات التي تم وضعها وتنفيذها من أجل هذه الغاية، بشكل متواصل ومتسلسل ومستمر حتى الآن، ومن أبرزها، الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية لدولة الإمارات 2025، استراتيجية الإمارات للخدمات الحكومية، استراتيجية الإمارات للذكاء الصناعي، استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية 2021 بلوك تشين، استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، استراتيجية دبي للمعاملات اللا ورقية، الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2019، استراتيجية دبي للأمن الإلكتروني، مبادرة بيانات دبي، استراتيجية دبي للتجارة الإلكترونية، استراتيجية إنترنت الأشياء في دبي، استراتيجية دبي الذكية 2021، وغيرها من المبادرات المدروسة، والموجهة بشكل دقيق لارتقاء بمستوى الحياة في الإمارات، وجعلها مجتمعاً مزدهراً بمعايير عالمية. كما أعلنت الدولة عن سلسلة خطوات تدعم التحول الرقمي، من خلال إطلاق الشبكة الإلكترونية الاتحادية، ومركز الإبداع الرقمي- CODI، كمنصة للابتكار الرقمي، وتعزيز مستقبل التحول الرقمي، وذلك بالتنسيق مع منظمات عالمية وخبراء عالميين، وربطهم بمؤسسات الدولة التي تعمل على تحقيق أهداف الحكومة الذكية، وإطلاق متجر تطبيقات الحكومة الذكية، على مستوى العالم عبر مختلف المنصات المتاحة، حيث يضم المتجر مئات التطبيقات الذكية التي جرى تطويرها من قبل الجهات الاتحادية والمحلية في الدولة، وتوفر عدداً كبيراً من الخدمات للمواطنين والمقيمين والمستثمرين، وغير ذلك من مبادرات. بدورها، استفادت المؤسسات والشركات وقطاعات الأعمال من التحول الرقمي ومبادراته النوعية في دولة الإمارات مثل مختبرات تجربة وتنظيم التقنيات المالية، والفواتير الإلكترونية والرقمية، والقنوات الذكية لسداد رسوم الخدمات الحكومية، والسلامة السيبرانية والأمن الرقمي، وتطبيق تقنيات الجيل الخامس 5G الأسرع في المنطقة، وتقنية التعاملات الرقمية (بلوك تشين) في حكومة الإمارات، وتبنّي تقنيات التلعيب والروبوت والذكاء الاصطناعي. كما استفادت عملية التحول الرقمي في دولة الإمارات من تطبيق مفهوم واجهات البرمجة أولاً التي عززت مكانة الإمارات عاصمة للبرمجة والمبرمجين، وخدمت استراتيجيات المدن الذكية والمدن الذكية المستدامة، مثل مبادرات أبوظبي الذكية، ومبادرات مدينة دبي الذكية، ومبادرات الفجيرة - مدينة ذكية. كما استفاد قطاع التجارة الإلكترونية من التحول الرقمي، حيث أصبحت دولة الإمارات مركزاً عالمياً للتجارة الإلكترونية، وذلك بفضل عملية التحول الرقمي، والخدمات الحكومية، واللوجستية، والمالية، وتأثير ذلك على الاتصالات، وإدارة الاستثمارات عن بُعد خلال أي ظرف استثنائي. ووفقاً لتقارير عالمية، ساهم التحول الرقمي في تبوؤ دولة الإمارات المركز الأول عربياً وإقليمياً والـ 15 عالمياً من حيث قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بحسب نتائج تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي للعام 2021 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، الذي يرصد نتائج الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2020 في دول العالم مقارنة مع 2019. وشكل التحول الذكي والرقمي الذي شهدته دولة الإمارات في العقود القليلة الماضية، ووضعها في مصاف الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال، محركاً مركزياً للدورة التنموية الجديدة التي أطلقتها «مشاريع الخمسين» والتي تؤسس لقفزات اقتصادية وتنموية مستقبلية واعدة للخمسين عاماً المقبلة في دولة الإمارات. وهي تعزز مسار «مشاريع الخمسين» نحو تعزيز مختلف القطاعات الاقتصادية القائمة والجديدة، لما فيه ترسيخ مكانة الإمارات كوجهة عالمية للاستثمار والعمل والعيش ومختبر مفتوح لمجتمعات واقتصادات المستقبل الذكية. «الإمارات الرقمية» شكّل التحوّل الرقمي هدفاً استراتيجياً رئيساً لدولة الإمارات للوصول بأسرع وقت إلى «الإمارات الرقمية». وشكلت المبادرات الاتحادية والمحلية حزمة متكاملة غير مسبوقة من حيث الحجم والمضمون وسرعة التطبيق. وشملت مبادرات التحوّل الرقمي في دولة الإمارات مبادرات تخصصية ترسي معايير رفيعة عالمية المستوى في الحصول على الخدمات العامة والارتقاء بالقطاعات الاقتصادية والخدمية، وتيسير مزاولة الأعمال وحركة الاستثمارات، وتعزيز جودة الحياة وتصميم مدن ومجتمعات المستقبل الذكية على أرض الإمارات. ومن تلك المبادرات استراتيجيات الدولة لتعزيز التحوّل الرقمي مثل استراتيجية الحكومة الرقمية لدولة الإمارات 2025، واللجنة الوطنية للتحول الرقمي في الإمارات، وسياسة المنصة الرقمية الموحدة، ونموذج الإمارات لنضج الحكومة الرقمية، وتعزيز الإنفاق الحكومي على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات وتطوير الخدمات العامة، والحوسبة الكمّية. وكانت الإمارات سبّاقة في تنظيم مشهد التحول الرقمي وحوكمته وتعزيز التنافس في مختلف القطاعات لتبنّي التحوّل الرقمي من خلال مؤشر التنافسية الرقمية.
مشاركة :