الأديب العربي أمين الريحاني، أحد أشهر الأدباء العرب الذين زاروا الملك عبدالعزيز ورافقوه لأشهر وكتبوا عنه بكل حيادية. "الريحاني" لبناني من بلدة الفريكة، زار البلاد العربية بعد ما وجد في نفسه رغبة في توحيدها، وقد أبدى هذه الرغبة لملوك العرب الذين قابلهم، وأرّخ في كتابه ملوك العرب، والذي يضم باباً عن الملك عبدالعزيز كتبه إبان إقامته في الرياض في قصر المربع، وكان الملك عبدالعزيز يراجع معه كل ليلة ما يكتب حتى خرج بما كتبه عن الملك عبدالعزيز وبكتاب آخر بعنوان تاريخ نجد الحديث، وغادر الريحاني الرياض وهو يحمل حبًا خالصًا لسلطان نجد هذا العربي الأصيل، الذي وجد فيه الريحاني ما لم يجده في ملوك العرب الذين قابلهم من صفات ومناقب، وقيادة فذة، ويجد ذلك الإعجاب كل من يقرأ سفري الريحان القيمين ملوك العرب وتاريخ نجد الحديث يجد الكلمات تتهادى بأسلوب بليغ صادق. لقد كانت نفس الريحاني تتوق للقاء الملك عبدالعزيز، وزيارة نجد هذه البلاد العربية العتيقة، ورؤية ما بسطه الملك عبدالعزيز من أمن وعدل في فيافي ومفازات عظيمة، تعتبر مضرب المثل على ما حققه هذا القائد العظيم. . اللقاء الأول وفي العقير "شرقي المملكة" كان لقاء الريحاني بالملك عبدالعزيز حيث يصف الريحاني اللقاء فيقول: كانت المشاهدة الأولى على الرمل، تحت السماء والنجوم، وفي نور النيران المتقدة حولنا، ألفيته رجلاً لا يمتاز ظاهراً بغير طوله، وكان يلبس ثوباً أبيض، وعباءة بنية، وعقالاً مقصباً في كوفية من القطن حمراء, أين أبهة الملوك وفخفخة السلطان؟ إنك لا تجدها في نجد وسلطانها وإن أول ما يملكه منه ابتسامة هي مغناطيس القلوب. ويواصل: ها قد قابلت أمراء العرب كلهم فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل, لست مجازفًا أو مبالغاً فيما أقول: فهو حقاً كبير: كبير في مصافحته، وفي ابتسامته، وفي كلامه، وفي نظراته، وفي ضربه الأرض بعصاه, يفصح في أول جلسة عن فكره ولا يخشى أحداً من الناس بل يفشي سره، وما أشرف السر، سر رجل يعرف نفسه، ويثق بعد الله بنفسه, حنا العرب, إن الرجل فيه أكبر من السلطان وقد ساد قومه ولاشك بالمكارم لا بالألقاب, جئت ابن سعود والقلب فارغًا من البغض ومن الحب كما قلت له، فلا رأي الإنكليز ولا رأي الحجاز، ولا الثناء ولا المطاعن أثرت فيّ, وها قد ملأ القلب، ملأه حباً في أول جلسة جلسناها على أن الحب قد لا يكون مقروناً بالإعجاب,, إني سعيد لأني زرت ابن سعود بعد أن زرتهم كلهم, هو حقاً مسك الختام . صفات الملك عبدالعزيز صفات الملك عبدالعزيز كما رآها الريحاني: السلطان عبدالعزيز فصيح اللسان، سريع الخاطر، لطيف الجواب,, السلطان عبدالعزيز طويل القامة مفتول الساعد، شديد العصب، متناسق الأعضاء، أسمر اللون، أسود الشعر، ذو لحية خفيفة مستديرة, له من السنين سبع وأربعون وله في التاريخ- تاريخ نجد الحديث- مجد إذا قيس بالأعوام يتجاوز السبعة والأربعين والمائة يلبس في الصيف أثواباً من الكتان بيضاء وفي الشتاء قنابيز من الجوخ تحت عباءة بنية, وهو ينتعل ويتطيب، ويحمل عصا من الشوحط طويلة يستعين بها على الإفصاح عن آرائه, على تشكيل كلماته، إذا صحت الاستعارة وتمكينها, إن له في الحديث غيرها من الأعوان, له أنامل طويلة لدنة يشير بها في مواقف البلاغة وله عينان عسليتان تنيران أماكن العطف واللطف ساعة الرضا وتضرمان في كلامه ساعة الغيظ نار الغضى، وله فم هو كورق الورد في الحالة الأولى، وله الحالة الثانية كالحديد, يتقلص فيشتد، فهو إذ ذاك كالنصل حداً ومضاءً, أجل إن ابن سعود ليتغير ساعة الغضب كل التغير, فيذهب العطف من ناظريه، ولون الورد من شفتيه, ثم في افتراره يستحيل النور ناراً بيضاء فهو إذ ذاك رهيب,, إن في الرجل ضميراً حياً كحلمه وسرعة خاطر تقارن التيقظ في ذهنه يبدد بكلمة غيوم الانقباض في مجلسه, ويجلو أفقاً قد يكون الاضطراب فيه من كلامه, وهو خفيف الروح، حلو النكتة، لطيف التهكم, السلطان عبدالعزيز مثل كل أعرابي ينام على الفراش والسجادة ويضعهما تحته على الكور في السفر، وهو لا يحمل شيئًا في جيبه، لا ساعة ولا قلمًا ولا ذهبًا ولا فضة. ربما لا يكون في ثيابه جيوب البتة, إلا أنه يحمل ساعة في خرج عند السفر, ويضعها تحت الوسادة عندما يقيم في مكان, يحملها في الصندوق المخملي الذي جاءت فيه من المعمل, ويحمل كذلك ناظوراً كبيراً لا غنى عنه, فهو دائمًا يراقب من مجلسه حركات رجاله وخدامه، حتى أنه لا تمر غيمة في الأفق إلا رفع إليها الناظور متيقنًا متثبتًا -أمرنا مشكل يا حضرة الأستاذ, علينا الكبيرة والصغيرة, فإذا كنا لا نداوم المراقبة لا نكون عالمين بكل ما يتعلق بشؤونها,,, العبد والأمير، عيننا على الاثنين حتى ننصف دائمًا الاثنين ونعدل بينهما- كثيراً ما يقف السلطان عبدالعزيز في حديث مهم لينظر في أمر ظاهره طفيف، ثم يدخل عليه أحد الخدم أو الكتاب فيقطع عليه الحديث ثانية فينظر في الأمر الآخر، ثم يعود -وهذا ما كان يدهشني- إلى الكلمة الأخيرة من حديثه دون أن يسأل كما هي العادة في مثل هذه الحال عند أكثر الناس: ماذا كنت أقول؟ لا ما سمعته مرة، وكانت أحاديثنا معرضة دائمًا للتقطيع، يسأل هذا السؤال, فهو شديد الحافظة ومتيقظ دائمًا, عليه الصغيرة والكبيرة يقينًا, وله اليد الصالحة المصلحة في الاثنين . ويضيف الريحاني: مهما قيل في ابن سعود فهو رجل قبل كل شيء, رجل كبير القلب والنفس والوجدان, عربي تجسمت فيه فضائل العرب إلى حد يندر في غير الملوك الذين زينت آثارهم شعرنا وتاريخنا، وتجسمت فيه كذلك آفاتهم ما لا يحاول أن يخفيه، رجل صافي الذهن والوجدان خلو من الادعاء والتصلف، خلو من التظاهر الكاذب . العدل أساس الملك: ترى ماذا سمع الريحاني عن عدل الملك عبدالعزيز، وماذا وجد عندما زار البلاد، لقد سمع في البر والبحر عن عدل ابن سعود وعن الأمن الذي بسط على ربوع الجزيرة الشاسعة، يقول الريحاني: عدل ابن سعود! كلمة تسمعها في البحر وفي البر وفي طريقك إلى نجد قبل أن تصل إليها, كلمة يرددها الركبان في كل مكان يحكمه سلطان نجد، من الأحساء إلى تهامة، ومن الربع الخالي إلى الجوف- وما عدل ابن سعود غير الشرع- غير عدل النبي,, إذا كان العدل أساس الملك فالأمن أول مظهر من مظاهر العدل. وفي نجد اليوم من الأمن ما لا تجده في بلادنا أو في بلاد متمدنة,,, وفي القوافل التي تسير أربعين يوماً في ملك ابن سعود من طرف إلى طرف من القطيف مثلاً إلى أبها، ومن وادي الدواسر إلى وادي السرحان دون أن يتعرض لها أحد من البدو أو الحضر دون أن تسأل من أين وإلى أين , ويضيف: ترى نجد اليوم عزيزة بعبدالعزيز، تستمتع بأمن منقطع النظير في كل البلاد العربية، وبعدل كبير شامل يحمل السيف والقسطاس، وبخير فوق ذلك لا تنفد موارده .
مشاركة :