جل أهل البحرين يعانون منذ فترة ليست بالقصيرة من ارتفاع فواتير الكهرباء والماء بشكل غير مسبوق بات يثقل كاهلهم وقد أصبح الوضع مثار قلق دائم.. الكل يشتكي من التصاعد الغريب لعملية وطريقة احتساب الوحدات المستهلكة للكهرباء وأيضاً للماء.. فكثير من قاطني الشقق السكنية باتوا يعانون من الارتفاع الغير طبيعي لفواتير الماء لتصل في بعض الشقق الى مبالغ تصل إلى أكثر من 50 ديناراً شهرياً في مساكن تتكون من غرفة أو غرفتين يسكنها في المتوسط 3 أشخاص فقط.. ومعها عليهم الوفاء بدفع الإيجارات الشهرية وفواتير الكهرباء وضرائب البلدية.. كل هذا في ظل غلاء المعيشة ورفع الدعم عن الكثير من الخدمات التي تمتعت بالدعم الحكومي لأجيال.. ومعها تمت إضافة نسب من الضرائب طالت أغلب المشتريات الضرورية للأسرة البحرينية وكافة القاطنين على أرضنا الطيبة. أسرة عربية تقطن شقة مع طفلين وصلتهم الفاتورة لشهر أغسطس للكهرباء والماء بحوالي 150 ديناراً.. أصحاب البنايات السكنية ممن استثمروا كل أموالهم فيها لضمان مدخول ثابت يعينهم في مرحلة التقاعد باتوا يعانون من تراجع وتخوف المستأجرين رغم أنهم ربما اضطروا لتخفيض الإيجارات الشهرية من متوسط 200 دينار إلى 120 دينارا، فقط للمحافظة على استمرارية بعض المردود الشهري، وبرغم ذلك يعانون من التناقص في عدد المستأجرين.. فهناك مالك لم يتبق لديه سوى 3 شقق مؤجرة برخص «التراب» من أصل 20 شقة في بنايته التي أصبحت شبه مهجورة! الشكاوى في كافة وسائل التواصل الاجتماعي صارت حول موضوع الفواتير، ومجلس النواب والمسؤولون المعنيون في سبات عميق عن هذا الموضوع وكأن الأمر لا يعنيهم بتاتاً.. ان هكذا معضلة قاسية ستترك على الجميع آثارها السلبية، ولا أستبعد في خضم الشكاوى المتزايدة والمعاناة المتصاعدة أن تتصاعد الشكاوى بصورة اكبر، ربما السلطات حالياً مقتنعة بأن أساليب المقاطعة السلمية من جانب المستهلكين لن تكون مجدية كما قد يفعل المواطنون مع بعض البضائع والخدمات الأخرى، فهذا غير ممكن مع الكهرباء والماء والبترول، فلا يمكننا التهديد بأن «نخليها تخيس»، لأن مع الكهرباء والماء وحتى البترول نحن الذين سوف «نخيس».. واعتقد انه لا يليق بنا ونحن من الدول البترولية أن تصل بنا الأحوال الى المعاناة من بعض الأساسيات الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها. والحديث الدائر بين الناس هو موضوع تحويل هيئة الكهرباء والماء لجهات خاصة وتلك لن ترحم أحداً في هذا الخصوص.. كثير من العمالة الوافدة هجرتنا لأن الأوضاع لم تعد مجدية.. فهل نتوقع نزوح وهجرة من الوطن تطال بعض المواطنين أيضاً؟ وبين كل حين تتكرر أخبار ووعود عن تحسن مستوى المعيشة، ربما لبث بعض الصبر بين الناس، ويبدو الأمر في نهاية المطاف أن كل تلك الوعود المتفائلة ليست سوى مسكنات منتهية الصلاحية.. وكذلك تلك الأخبار عن توقع بعض الخيرات من اكتشافات جديدة لآبار النفط والغاز التي ستدر على الوطن بالكثير من العائدات، فكلنا نتطلع نحن المواطنين ان تعيد لنا الأمل في المستقبل القريب؟ إن كانت آذان المجالس النيابية غافلة عن شكاوى المواطنين أو أن الموضوع لا يهمهم من قريب أو بعيد فما الحكمة إذن في وجود النيابيين إن لم يكن لهم دور فعال في رفع أسباب العناء عن كاهل من انتخبوهم لخدمة مصالح الشعب والوقوف معهم في هكذا ظروف قاسية.. المعضلة تتفاقم ولا يبدو أن لنا منها مفر ومخرج في المستقبل المنظور، في ظل الوضع الاقتصادي بعد جائحة كورونا ووجود حالات من العطالة بين الشباب حتى بات بعضهم يفكر في الهجرة إلى الخارج أملاً في الحياة الكريمة! أجل، لقد تمتعنا لعقود ببعض أنواع الدعم والسند «ولله الحمد»، غير أن السنوات الماضية تكاد تفرغ حساباتنا البنكية من كافة المدخرات التي سعينا لتأمينها من أجل بعض الضمان لأفراد أسرنا وأبنائنا.. هنالك من بات يجمع كل أفراد عائلته للمبيت في غرفة واحدة لتوفير صرف الكهرباء ولم يزل يعاني ويشتكي.. وكوننا من الدول الواقعة بالكاد فوق خط الاستواء تجعل من شهور الصيف مأساة لا مفر لنا منها.. ويزداد العناء مع كافة الأوضاع التي تكالبت علينا دفعة واحدة ونحن لا نجد التعاطف المرجو والمأمول أملاً في الحفاظ على الكرامة المستحقة.. بينما نرى في وطننا إنشاء هيئات وادارات تحل محل بعض الوزارات الخدماتية ومعها تتعاظم التكاليف والمصارف والرواتب الخيالية ومن ثم يتم تعويضها من جيوب المواطنين بشكل مباشر وغير مباشر.. فهل من بعض هذه الجهات المستحدثة ممن يفكرون خارج اطار صندوق مصالحهم الشخصية ويضعون المواطن في المقام الأول لأولوياتهم، مثلاً؟ أنا مواطن خدمت وطني لسنوات وخططت لسنوات التقاعد عبر الاستثمار في بناء وتملك بعض العقارات لضمان بعض المردود الثابت.. ومع شكاوى الكل من تفاقم المصاريف والضرائب والفواتير ورفع الدعم عن بعض الأساسيات من متطلبات الحياة لم تعد أي من استثماراتي اليوم ذات فائدة.. عقاراتي خالية خاوية، وباتت تستنزف أكثر بكثير مما كانت تجني.. وقد تخلصت من بعضها خاسراً الكثير من قيمتها الحقيقية حتى لم أعد أجني إلا الفتات، بل أصبحت عقاراتي مصدراً للهدر والضياع والخسارة التي باتت تأكل مما نجحت في عقدين من الزمان من كسبه.. اليوم لم أعد أجنى سوى عشرة بالمائة مما كنت أجنيه، وأنا مقبل على بيع الباقي من ممتلكاتي بأقل من نصف أثمانها فقط لأرتاح نفسياً من ضغوط المعاناة والهموم! مشكلتنا الأساسية تتلخص اليوم في شكاوى الكل من مواطنين ووافدين وعمالة أجنبية وعربية من فواتير الكهرباء والماء، وهما بالطبع من الاحتياجات الضرورية ولا يمكن الاستغناء عنهما بأي شكل من الأشكال.. فكيف لمن يقطن دولتنا «الحارة» صيفاً أن يستغني عن الكهرباء، وأما مشكلتنا مع الماء فتلك مصيبة أخرى باتت تقلق مضاجعنا.. فهل يا أصحاب الشأن من مستمع لشكاوى الناس كل يوم عبر الجرائد ووسائل التواصل كافة؟ هل من جهات مسؤولة تفكر لوهلة في هموم الناس وتتعطف عليهم ولو قليلاً للتخفيف عن كواهلهم المنهكة؟ ولن أبالغ إن بت أتوقع أن تتفاقم الأوضاع إلى نوع من ردود الفعل الساخطة ضد القائمين على هذه الخدمات القادرين على إيجاد الحلول المناسبة! ومن هذا المنبر أنادي كافة المعنيين بالتحرك على نحو عاجل لا يتحمل التأجيل لإنقاذ أبناء الوطن المعطاء من هكذا معاناة .. وكلنا أمل في الإحساس بمعاناتنا وإيجاد حل لهذه المشكلة. { أكاديمي بحريني mazeej@gmail.com
مشاركة :