تعالوا نتحزب ونبقى أسرى العشائرية والمناطق | شاكر رفايعة

  • 9/25/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بعد عقود من تهميش الأحزاب وإحاطة الانتماء الحزبي بالارتياب والتخوين، فجأة صار مطلوبا من الأردنيين أن يتحزبوا ويثقوا بقدرة الأحزاب على صنع التغيير أو الإصلاح السياسي المنشود. وإذا تحققت توصيات “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية” في مجال الانتخابات أيضا، فإن الفتور الشعبي العام الذي رافقها منذ تشكيلها قبل أكثر من أربعة أشهر، سوف يتجلى على الأرجح في شكل من اللامبالاة والتجاهل ويتأكد الأردنيون أن مقولات الإصلاح السياسي التي صدّعت مؤسسة الحكم رؤوسهم بها ما هي إلا كلام عابر في ظرف معين. ومنذ الإعلان قبل أيام قليلة عن الخطوط العامة لمخرجات عمل اللجنة الملكية خصوصا في مجال الأحزاب والانتخابات بعد ما يزيد على ثلاثة أشهر من الاجتماعات والنقاشات والجدل، بات واضحا أن العملية برمتها ما هي إلا إعادة إنتاج للمنظومة السياسية القائمة أكثر منها إصلاحا أو تحديثا. مخرجات عمل اللجنة الملكية لم تمثل مفاجأة للأردنيين بعد أن ظلت على مدى أشهر منشغلة باستقالات أعضائها والجدل وأحيانا الإساءة للأعضاء المقالين أو المستقيلين وبحسب توصيات اللجنة، على الحزب الذي يسعى للترخيص أن يتشكل من ألف عضو مؤسس على الأقل، وهو ما يقارب سبعة أضعاف الرقم المطلوب في القانون الحالي (150 عضوا). وعلى هذا النحو، فإن السيناريو المتوقع لهيكلية الأحزاب هو أن تتلاقى المصالح بين الشخصيات نفسها التي اعتادت على الترشح والفوز في الانتخابات وتكريسهم من جديد على الساحة السياسية في المجتمع الذي يُعلي من الشأن العشائري والمناطقي فوق الانتماء الحزبي الذي لا تعرفه الغالبية الساحقة للجيل الحالي من الأردنيين. بمعنى آخر، فالناخب الأردني الذي تعوّد على التصويت لأحد أقربائه أو معارفه، وهو الاتجاه العام لطبيعة الاقتراع في الأردن، سيصوت له أيضا حين يترشح باسم الحزب، وسوف يتشكل برلمان متحزب بالاسم فقط. أيضا، الأسماء التي يتكرر فوزها في كل انتخابات لن تتخلى عن مكانها بسهولة ما دامت قادرة على حشد الآلاف من الناخبين، وبذلك لن تجد صعوبة في تأسيس حزب وربما تشكيل حكومة في وقت من الأوقات. اللجنة الملكية تعزز الاعتبارات العشائرية والمناطقية؟ نعم. فتوصيات اللجنة الملكية تتيح تشكيل حزب عبر حشد 850 عضوا مؤسسا من محافظة واحدة، هم أنفسهم الذين كانوا يصوتون لمرشح محافظتهم الذي صار حزبيا الآن. اللجنة تعاني من غياب الثقة بينها وبين الأردنيين الذين لا يعوّل أكثر من ثلثيهم عليها في إنجاز الإصلاح السياسي وهذا يعني أن مجموعة الأقارب والمعارف والمحاسيب في محافظة أو نطاق عشائري ما هي الكتلة الانتخابية التي وقفت وستقف وراء فوز المرشح. وكأنك يا أبا زيد ما غزيت. كانت في الأردن حياة حزبية مزدهرة في أواسط عمر الدولة التي تأسست قبل مئة عام. ولكن الهاجس الأمني والعوامل الإقليمية أخذت المشهد الحزبي طوال هذه السنوات بعيدا عن اهتمامات الناس وصار غريبا أو غير شائع أن يقال فلان عضو في حزب. الآن تريد مؤسسة الحكم أن تهبط على الناس برؤية هوائية للإصلاح السياسي. وفوق ذلك صار على الناخب الذي لم يعهد أي تأثير للأحزاب في الأردن، التصويت لقائمة حزبية في انتخابات البرلمان. وفي توصيات اللجنة أن القوائم الحزبية لن تمثل أكثر من ثلاثين في المئة من العدد المقترح لمقاعد البرلمان البالغ 138 مقعدا وهذا قد يدفع النواب إلى الاعتماد على أشكال التحالفات التقليدية بينهم، وهم في الغالب رجال أعمال ومتقاعدون عسكريون ومدنيون وعدد من ممثلي العشائر. لا توجد أي مؤشرات على أن هذه التشكيلة التقليدية من النواب سوف تتغير أو على الأقل تتفكك لمصلحة الانتماء للأحزاب التي يفترض أن تقود البلد ضمن حكومات برلمانية طال انتظارها. وتبلورت أولى المطالبات بتأليف الحكومات في البرلمان وليس بتكليف من العاهل الأردني منذ أيام “الربيع العربي” في 2011 وما تلاها، وأيضا من الأوراق النقاشية التي طرحها الملك عبدالله الثاني في سنوات لاحقة. إلى جانب ذلك، يجب على الحزب أن تكون لديه نسبة عشرين في المئة من الشباب ونسبة مثيلة من النساء اللواتي أوصت اللجنة برفع حصتهن في مقاعد البرلمان إلى 18، وهو عدد الدوائر الانتخابية. لم تستطع اللجنة أن تتجاوز ذهنية المحاصصة للأقليات الدينية والقومية وتكون أكثر انسجاما مع الدستور الذي ينص على أن “الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين”. ظلت الحصص أو “الكوتات” جزءا من النظام الانتخابي على مدى عقود، لكنها الآن أدعى إلى الإلغاء ما دام الهدف هو تشكيل حكومات حزبية، إذا صحّت الوعود والجدية المعلنة التي تقف خلف إرادة الإصلاح السياسي التي عبرت عنها اللجنة في توصياتها. السيناريو المتوقع لهيكلية الأحزاب هو أن تتلاقى المصالح بين الشخصيات نفسها التي اعتادت على الترشح والفوز في الانتخابات وتكريسهم من جديد على الساحة السياسية في المجتمع اللجنة نفسها تعاني من غياب الثقة بينها وبين الأردنيين الذين لا يعوّل أكثر من ثلثيهم عليها في إنجاز الإصلاح السياسي، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية. ولم تمثل مخرجات عمل اللجنة الملكية مفاجأة للأردنيين بعد أن ظلت على مدى أشهر منشغلة باستقالات أعضائها والجدل وأحيانا الإساءة للأعضاء المقالين أو المستقيلين. وتأكدت لدى الأردنيين أن توصياتها ما هي إلا شكل من أشكال الإلهاء مع الابتعاد تماما عن هدفها الرئيسي. جوهر الإصلاح السياسي في الأردن يتركز على تأليف حكومات برلمانية تقودها الأحزاب، ولكن هذا الشكل المتقدم من الممارسة السياسية لا يتحقق بجرة قلم ولا يمكن فرضه على الشارع بين ليلة وضحاها.

مشاركة :