الإسلاميون في النقابات الأردنية: لكم لونكم ولنا لون | شاكر رفايعة

  • 12/31/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الفرحة العارمة للتيار الإسلامي بنتيجة التصويت الأخير لنقابة المهندسين لا تضاهيها إلا فرحة الفوز في الانتخابات. ورغم أنها ليست كذلك، فإن رفض التعديلات على قانون النقابة يمثل انتعاشة للإسلاميين ومؤشرا إلى أدائهم في انتخابات مجلس النقابة العام المقبل. لكن الاستقطاب الحاد الذي صنعته قائمة الإسلاميين “البيضاء” حوّل الخلاف إلى مغالبة، والتوتر إلى إساءات وتهجم شخصي ونكايات على مدى أسابيع، قبل رفض التعديلات التي تتعلق خصوصا بالنظام الانتخابي وسن الترشح والرسوم المفروضة على أعضاء النقابة. نقابة المهندسين ليست كغيرها من النقابات المهنية بالنسبة إلى الإسلاميين الذين خسروا السيطرة عليها لصالح التيار القومي الوطني في انتخابات عام 2018، بعد أن ظلت معقلا رئيسيا لهم على مدى أكثر من ربع قرن. وخسارة الإخوان المسلمين آنذاك كانت جزءا من تراجع نفوذهم وشعبيتهم على العديد من المستويات الهيكلية والتنظيمية. ولكن قبل هذا كله، كان لا بد من حسم مسألة هوية الجماعة وما إذا كانت دينية وجزءا من التنظيم الدولي للإخوان أو حزبا أردنيا “وطنيا”. وفي خضم هذا الجدل الذي بدأ قبل حوالي عقد من الزمان، تلقى الإخوان سلسلة من الضربات المتلاحقة التي نالت من وحدتهم وكشفت عن عمق الأزمة داخل الجماعة التي ظلت قبل ذلك من أبرز الفاعلين السياسيين في الأردن. فبعد سنتين فقط على اندلاع أحداث الربيع العربي في 2011، حين قاد الإسلاميون المظاهرات في الأردن، انشقت مجموعة من قيادات الإخوان تحت عنوان “وثيقة زمزم”. وفي 2015 أعلن حوالي 50 عضوا في الجماعة عن تأسيس جمعية الإخوان المسلمين. وكلتا الحالتين شكلتا احتجاجا على ضعف الاهتمام لدى “الجماعة الأم” بالشأن المحلي وتركيزها على الساحات الإقليمية التي تشهد حضورا للإسلاميين. ولا يزال الإخوان يحاولون نفي “تهمة” التبعية للتنظيم الدولي، غير أن أداءهم السياسي والإعلامي لا يعكس إلا وحدة في الهوية التنظيمية مع فروع الجماعة المنتشرة في العالم العربي. وفي غمرة هذا التناقض، تراجعت شعبية الإخوان حتى في قواعدهم. لا يتردد الإخوان في استخدام أيّ سلاح شعبوي لاستمالة المؤيدين. ولم يوفروا الإسقاطات والمقارنات مع دول الإقليم على الوضع السياسي الداخلي في المملكة وكانت احتفالات الإسلاميين بعد رفض التعديلات على قانون نقابة المهندسين، كاشفة عن سعيهم لتمييز أنفسهم وهويتهم عن باقي مكونات النقابة. وانعقدت الدبكة وعلا الهتاف: الراية إسلامية! قلة يجرؤون على انتقاد الإسلاميين بسبب شعاراتهم التي يقحمونها في كل شيء، معتمدين في ذلك على الاستقواء بالدين ضد خصومهم السياسيين في المجتمع الأردني “المتديّن افتراضيا”. ماذا كان في ذهن الإخوان حين هتفوا في مقر نقابة المهندسين بعد الفوز في معركة التعديلات القانونية “يا قايدنا الأول سيدي محمد، ويا قايدنا الثاني سيدي أبوبكر”؟ لا يمكن للإخوان المسلمين إلا أن يكونوا هكذا: إظهار الهوية الدينية قبل أي شيء لمخاطبة القواعد الشعبية بما يطربها وجمع ما يمكن جمعه من المؤيدين أو المتعاطفين الذين يمثلون حائط صد في وجه التيارات الأخرى سواء كانت نقابية أو على مستوى المشهد السياسي ككل. الإسلاميون نجحوا في تصوير الخلاف باعتباره خلافا مع أجهزة الحكم التي يقولون إنها تحاول السيطرة على النقابة من خلال التعديلات القانونية التي أرادها خصومهم في التيار المهني الوطني. هذه وصفة مجربة ومفيدة لحشد الأنصار من “الفاهمين والحافظين” وقد تكون واقعية إلى حد ما لكنها لا تمثل الصورة الكاملة لما يسعى الإسلاميون لتحقيقه في العمل النقابي الغارق في التسييس منذ عقود. في الأردن، لا توجد ملامح واضحة للحياة السياسية الخالية تقريبا من تأثير الأحزاب والقائمة على مشاركة شعبية محدودة في الحكم، أفرزها قانون الانتخابات وجاءت ببرلمانات أقل ما توصف به هو الضعف والتبعية للحكومة وتشكيلة النواب المكونة تقليديا من رجال أعمال ومتقاعدين عسكريين ووجهاء عشائر. في ظل حالة الجمود هذه، يغتنم الإسلاميون كل فرصة لجر النقابات إلى الساحة السياسية التي يعرفون أدواتها جيدا، وذلك في سياق الاستفادة القصوى من الرأي العام المحبط من أداء السياسيين، والمتحمس لأي توجه ديني ويروق له لوم الحكومة والبرلمان على أيّ خطأ أو مسألة خاضعة للجدل. النقابات المهنية الآن هي الميدان الأوسع والأوضح للعمل السياسي في الأردن. وقد اهتم بها الإسلاميون مبكرا وخاضوا معارك طاحنة في انتخاباتها وتوجهاتها. وفي كل مرة، كان خطاب الإخوان انقساميا ومشبعا بالاتهامات السياسية للخصوم النقابيين. لا يخاطر الإسلاميون بالتركيز تماما على العمل النقابي المهني وإلا فقدوا تأثيرهم السياسي وجزءا من نهجهم الفكري القائم على التسييس والتديين النفعي في أيّ كيان تمثيلي أو مؤسسة بما في ذلك الجامعات وحتى المستشفيات. لا يتردد الإخوان في استخدام أيّ سلاح شعبوي لاستمالة المؤيدين. ولم يوفروا الإسقاطات والمقارنات مع دول الإقليم على الوضع السياسي الداخلي في المملكة، فكان من السهل عليهم اتهام القيادة الحالية للنقابة ذات التوجهات القومية بـ”التشبيح” لصالح نظام الرئيس السوري بشار الأسد. هذا الخطاب التقسيمي الصريح استعار أيضا الوضع في تونس، حين شبّه الإسلاميون نقيب المهندسين بالرئيس قيس سعيد، في استحضار للأزمة التي يعيشها إخوانهم في حركة النهضة. فرز الألوان جزء رئيسي في العقيدة السياسية للإخوان وأيضا في التعبير عن الفرح وحتى تعديل أهزوجة “يا قايدنا الأول ويا قايدنا الثاني” التي اعتاد الأردنيون على سماعها وترديدها في تمجيد الملك عبدالله الثاني ومن قبله والده الراحل الحسين بن طلال.

مشاركة :