التغير المناخي، كان ومازال، أمراً يشغل عموم المهتمين في الشأن البيئي على مستوى العالم، فكل ما يتعلق بهذا الشأن أعيد إحياؤه مؤخراً وعلى ضوء آخر التقارير الصادرة من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المؤرخ في 7 أغسطس 2021 The Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC) - The Physical Science Basis والذي تناول عدداً من الظواهر البيئية بالأخص تلك المناخية "العالمية" والمرتبطة بانبعاثات الغازات الدفيئة، مجدداً بذلك التحذيرات بعواقب ومشاكل عدة تتزامن مع الظواهر المرتبطة بمسألة التغير المناخي ومناقشة أسبابه وبوضوح، وقد كان من المتوقع بل البدهي جداً صدور هذا التقرير وفي هذا الوقت بالذات علاوة على أنه تقرير علمي مستحق ومهم للغاية. نعم، فإن صدور هذا التقرير كان متوقعاً في هذا الوقت نظراً لاقتراب موعد المؤتمر العالمي للتغير المناخي أواخر العام الجاري في مدينة "غلاسكو" البريطانية والتوصيات المتوقعة أن تصدر منه والملزمة للعديد من الدول، والتي ستكون أيضا مؤثرة في استراتيجيات وعمليات إنتاج الطاقة والآثار البيئية المصاحبة لها، لكن ما لا يدركه الكثير من مدعي الاختصاص والسياسيين حول العالم (إلا من رحم ربي) هو ارتباط العمل ومناهضة أسباب التلوث البيئي بالأخص، مع مصالح أكبر التيارات والمصالح "اليمينية" حول العالم للحفاظ على رجعية الوضع القائم المستفيد من ثروات الطبيعة. أما فيما يخص مسألة التغيير المناخي، فهناك ارتباط واضح وصريح ما بين رجعية حكومات أو تيارات في شتى بقاع المعمورة وتمسكها بالوضع الراهن القائم الذي عادة ما يقوم على استغلال رأسمالي متوحش للثروات والمواد الطبيعية والخيرات دون أي اعتبار للفجوة التي يخلقها هذا العمل بين الطبقات الاجتماعية من جراء استغلال "فائض القيمة" أو ما يترتب عليه من تلوث واغتراب بيئي سيؤدي بحياة البشرية والناس إلى حال أسوأ، وقد يكون أيضا من أهم الأسباب لدى الكثير من الناس عدم درايتهم بنوايا مثل تلك التيارات والتحالفات الطبقية وأسباب تشبثهم بالوضع الاجتماعي والسياسي، ولا سيما البيئي الراهن، ولكن وجب التنبيه والتوعية حول هذه المسألة وبوضوح. يتم استغلال معظم الثروات الطبيعية من خلال مباركة حكومات وبالتعاون مع شركات عالمية عدة دون الاكتراث بالتلوث الناجم عن تلك الأعمال، ولعل أبرز تلك الأمثلة يتشكل في نطاق أعمال النفط والغاز، بحيث جنت أعلى إيرادات في التاريخ المعاصر لقطاع صناعي ما بين أعوام 2000 و2010 للشركات الخمس الكبرى في المجال (دون ذكر أسماء) وبقيمة تزيد على 900 مليار دولار أميركي (من كتاب- هذا سيغير كل شيء لـ"نايومي كلاين". ص 111). وعليه تكون ها هنا المسألة متداخلة وباستخدام المثال السابق نفسه، نجد أن من مصلحة أكبر القطاعات الرأسمالية أن تدعم حكومات تسهل أعمالها لزيادة "فائض القيمة" أكثر وأكثر، دون استشعار المشاكل البيئية الناجمة من هذا كله، ومن هنا أيضا وجب الانتباه إلى أن التلوث البيئي الناجم عن العديد من القطاعات حول العالم لن يستمر دون ثمن حقيقي مرتب في دعم سياسات رجعية تخدم مصالح البعض، وعليه الآن أصبح إدراك وتعبئة رأي الشارع أمراً أساسياً، خصوصاً أن لدى الكثيرين تصوراً مغلوطاً بأن التغيير المناخي هو في الواقع مسألة ليست تدريجية، بمعنى أنها لن تكون كوارث وتبعات تدريجية على الكوكب الأزرق، ولكن يتوقع أن تكون فجائية من جراء تراكمات عدة، وحينها (لي فات الفوت ما ينفع الصوت). على الهامش: جون الكويت واعتراف الحكومة بتلوثه في الأيام الأخيرة الماضية، هو خطوة بالاتجاه الصحيح وجب تصحيحها بوضع خطة مستدامة تحفظ الأمن البيئي والغذائي ووضعهما نصب العين.
مشاركة :