وسط المنافسة الشرسة بين الفرقاء سواء داخل الطائفة الواحدة أو بين القوى السياسية السنية والشيعية، تغيب المرأة عن التأثير الفعلي في الانتخابات البرلمانية العراقية المؤمل إجراؤها في العاشر من أكتوبر المقبل. وتسود قناعة لدى الأوساط السياسية والنسوية بأن وجود المرأة بين المرشحين في الكتل المنافسة لا ينم إلا عن استكمال المشهد أكثر من أي اعتبار وطني وتاريخي للمرأة العراقية. فيما تغيب الفرصة عن أي من المرشحات المستقلات بسبب انعدام النفوذ والإمكانيات. وتفرض المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب داخل الدولة العراقية، وخصصت كوتا للمرأة في البرلمان مثلما خصصت كوتا للديانات والطوائف. وتخوض الانتخابات 982 مرشحة بينهن 162 بشكل فردي، يسعين من خلال دخولهن مجلس النواب لتفعيل القوانين الخاصة بالمرأة وحقوقهن وإيقاف حالة الصمت التي تفضلها أغلب البرلمانيات السابقات، بسبب وجود ضغوط سياسية. وخلال آخر دورة انتخابية للبرلمان العراقي فازت 86 امرأة بمقاعد من أصل 329 مقعدا، أي أن 25 في المئة من مجموع الأعضاء هم نساء وهو ما يفرضه نظام الكوتا وفق الدستور العراقي. ولا تعول العراقيات اللواتي تراجع دورهن الوطني مع صعود أحزاب الإسلام السياسي والقوى الطائفية، على أي عملية انتخابية تعيد للمرأة العراقية مكانتها التاريخية. وعادة ما يتم التذكير بأن أول وزيرة في العالم العربي كانت في العراق عام 1958 عندما تقلدت نزيهة الدليمي منصبا وزاريا في الحكومة الجمهورية آنذاك. وحتى في عهد النظام السابق كان يعول على المرأة العراقية في مناصب عليا، عندما شاركت في عضوية القيادة إبان نظام الرئيس الراحل صدام حسين. وقالت أستاذة عراقية في كلية الإعلام بجامعة بغداد إن من السهولة بمكان معرفة دور المرأة في “العراق الديمقراطي” عندما نرى كبار قادة الكتل والأحزاب المسيطرة على المشهد من دون أن يعرف العراقيون أي دور لزوجاتهم اللواتي لا يظهرن معهم. وأضافت الأستاذة التي فضلت عدم ذكر اسمها، في تصريح لـ”العرب” “إن البرلمان العراقي منذ عام 2003 وإلى اليوم لم يقدم لنا النموذج المعبر عن حقيقة المرأة العراقية، يكفي أن نرى المثال الطائفي الذي تمثله البرلمانية حنان الفتلاوي، لنفقد الأمل في إعادة الاعتبار السياسي للمرأة العراقية”. وأشارت إلى أن الأحزاب والكتل البرلمانية بمقدورها استبدال برلمانية برجل، الأمر الذي يؤكد لنا الدور التكميلي في ما يسمى بالعملية الانتخابية. وقالت المرشحة المستقلة منال المفرجي إنه “لو أتيحت للمرأة نفس الفرص والإمكانات التي يمتلكها الرجل من مواقع سياسية ونفوذ وسلطة لأثبتت للعالم وللعراقيين أنها أهل لذلك وتكون في مواقع متقدمة”. وسلط موقع “ارفع صوتك” التابع لشبكة الشرق الأوسط للإرسال التي تبث قناة الحرة وراديو سوا من الولايات المتحدة، الضوء على مشاركة المرأة في الانتخابات العراقية، والعقبات التي تواجهها لدخول مضمار السباق الانتخابي، مشيرا إلى المضايقات التي تواجهها النساء العراقيات اللاتي يرغبن في المشاركة بالعملية السياسية. ونقل الموقع عن زهراء قولها إن “ترشيح المرأة لنيل عضوية البرلمان في الانتخابات مسألة تعتمد على رجال العائلة أو العشيرة، هم وحدهم من لديهم القرار بحقها في التصويت والترشيح أم لا”. وتخرجت زهراء من كلية القانون عام 2011، لكن حياتها كانت روتينية لعدم حصولها على عمل يناسب تخصصها، فتطوعت للعمل مع بعض المنظمات المدنية، وتكونت لديها رغبة أن تترشح يوما للانتخابات البرلمانية، إلا أن رفض أسرتها حال دون ذلك. وترى الناشطة الحقوقية سلوى حازم أن التضييق على النساء لا يعتمد على الراغبات في التصويت أو المشاركة، بل يتعداه إلى فقدان المساواة السياسية بين المرشحين من الرجال والنساء في الانتخابات العامة، وانعدام أو ضعف أي استعدادات من المواطنين للتصويت للنساء، وكأن الدستور العراقي والقيادة السياسية غير معنيين بالنساء. وقالت إن “نظرة المجتمع السلبية تجاه حقوق المرأة وحريتها وراء تقلص عدد النساء المشاركات سواء في التصويت أو الترشيح للانتخابات البرلمانية”. وأضافت “ينظر إلى وجود مرشحة على أنه أحد التهديدات، بوصف المرأة ‘غير مؤهلة’ لخوض غمار العمل السياسي بالنسبة إلى بعض القوى السياسية المتنفذة، سواء كانت هذه النظرة مبنية على أسس ومفاهيم دينية أو عشائرية”. ولا توجد نساء في مجلس المفوضين، ولا تخصص إدارات المفوضية أي أموال للتدخلات والبرامج الخاصة بمساواة بين الرجل والمرأة، هذا فضلا عن عدم وجود ميزانية مخصصة لفريق الجندر التابع للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بل ولم يخصص له موظفون يعملون بدوام كامل. وترى حازم أن المرأة لن تأخذ دورها البارز ما لم يكن التغيير والإصلاح في داخل القوى السياسية والأحزاب. وترى الباحثة الاجتماعية وداد ناجي أن تخصيص حصة تمثيل النساء بنسبة 25 في المئة في المقاعد البرلمانية غير كافية، لأنها على أقل تقدير لا تخدم مبادرات المساواة بين المرأة والرجل. وتقول الباحثة إن “مسألة تمثيل النساء وفق الكوتا، واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه عملية إبراز دورهن، خاصة عندما نكتشف أن فرصة استبدال الحزب لبرلمانية تكون عادة برجل وليس من الجنس نفسه”. وتشير إلى دور الأخبار المضللة “الكبير” في تنشيط النظرة الدونية للمرأة، وخاصة في المجتمعات التي يغلب عليها الطابع الديني والقبلي.
مشاركة :