كتاب ضد هشاشة الذاكرة يحتفي بسيرة الموسيقار التونسي محمد التريكي

  • 10/1/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يرصد الكتاب الجماعي التونسي بعنوان “قراءات في سيرة محمد التريكي وأعماله الموسيقية” سيرة حياة فنان رائد في الموسيقى التونسية ويقدم أهم أعماله والحقبات التي عاشها. وقد صدر الكتاب عن مركز الموسيقى العربية والمتوسطية «النجمة الزهراء» بالاشتراك مع منشورات «سوتيميدي»، وتم تصديره بكلمة من مديرة النجمة الزهراء سيمة صمود، فيما تولى تقديمه أنيس المؤدب، وتضمن مقالات بعنوان «محمد التريكي بين سلطة المشافهة وأمانة التدوين» لجلال الورتاني و”التحولات المشهدية الثقافية في تونس مطلع القرن الماضي ودورها في توجيه المسار الفني لمحمد التريكي” بقلم مكرم الأنصاري، كما كتب الهادي بن جعفر عن «دور محمد التريكي في نشأة المسرح الغنائي التونسي» وعاد أنيس القليبي إلى «تحليل أغنية زعمة يصافي الدهر لمحمد التريكي». أما محمد أمين القاسمي فقد اختار المساهمة في هذا المؤلف الجماعي بمقال حول «خصائص الآداء لدى محمد التريكي من خلال تقسيم حجاز يكاه» ويطلع القارئ أيضا على مقال لمحمد أنيس الحمادي بعنوان «محمد التريكي: حياته ومقاربة لعلاقة اللحن بالنص الشعري في أغنية يا محرمتها»، فيما يختتم هذا الكتاب القيّم بمقال يحمل إمضاء هشام البدراني يتطرق فيه إلى «حضور الموسيقى الشعبية وتأثيرها في أعمال محمد التريكي». وجاء في بلاغ عن «النجمة الزهراء» أن هذا الكتاب الوارد في 180 صفحة، يلخص مسيرة التريكي الفنية في تعبير عن المشهد الموسيقي لتونس على امتداد كامل القرن الماضي بكل التحولات التي طرأت عليه، والمعارف الموسيقية النظرية والتطبيقية التي تراكمت خلاله، والتقنيات التي استعملت لتوثيق الموسيقى وتسجيلها وبثها، ومختلف الأنماط والقوالب الموسيقية وأساليب التلاحين التي تمّ تداولها. وقد عاصر التريكي أهم القامات الفنية والأدبية التونسية في القرن الماضي، فعاصر أبرز أعلام الفكر والفن أمثال الطاهر الحداد وأبي القاسم الشابي وأحمد الوافي وجماعة تحت السور التونسية أمثال علي الدوعاجي وعبدالرزاق كرباكة والهادي العبيدي وبيرم التونسي ومحمد العريبي وغيرهم. وهو ما يؤكده تقديم الناشر لهذا الإصدار. وجاء في تقديم الناشر أن التريكي شاهد على عصره وفاعل فيه في الآن ذاته، فقد أصبغ على الثقافة الموسيقية للتونسيين بألوانه الذاتية ووَجَّهَهَا طِبْقا لرُؤاهُ الجماليّة، وأثَّرَ في الذائقة العامة، وأسَّسَ لِخطاب موسيقي وَقَعَ تبنيه رسميا وشكَّلَ ما سيُعرِّفُهُ البَعْضُ “الهوية الموسيقية التونسية”. ولد محمد التريكي في مدينة تونس بحي باب الجزيرة سنة 1899، في أسرة مولعة بالغناء الصوفي (العيساوية)، وقد وُلع منذ صغره بالمالوف، وسجّل بالمدرسة الفرنسية بباب عليوة (المدرسة العلوية) وتعلم الموسيقى على أساس علمي، وكذلك الموسيقى النظرية والكمان. لكنه انقطع عن الدراسة وحصل على عمل في إدارة الشؤون المالية، مع مواصلته التعلّم الفني على أكبر الموسيقيين التونسيين الذين سبقوه، مثل كمال الخولاي ومحمد المغيربي والسيد شطا وغيرهم. ولع التريكي بالفن دفعه إلى الاستقالة من عمله عام 1924، وقرر منذ تلك اللحظة أن يكرس نفسه للموسيقى كعازف كمان، قبل أن يلحن أول أغنية له وهي «محلاها المنقالة في ايدك» التي غنتها دليلة الطليانة، لتتوالى ألحانه لقامات الأغنية التونسية. مسيرة طويلة مع الأدب والشعر والموسيقى كرست التريكي واحدا من أبرز وأهم الموسيقيين التونسيين وشاهدا على العصر بأتم ما في الكلمة من معنى، فقد عاش قرنا من الزمن، وترك رصيدا هائلا من الأعمال الموسيقية تعليما وترقيما وتلحينا وغناء. أتقن العزف على آلة الكمان ودرس طريقة عزفها، كما درس المواد الموسيقية في إطار المعهد الرشيدي ومعاهد التربية والتعليم، حيث تتلمذ على يده العديد من الموسيقيين التونسيين، وأشرف على تدوين الموسيقي لنوبات «المالوف التونسي» كما لحن مجموعة من الأزجال والأغاني العتيقة و”الفوندوات”، ولحن أيضا الأغاني العاطفية والقصائد والموشحات بالإضافة إلى الأناشيد والموسيقى العسكرية، إلى جانب تلحينه لأوبيريت المسرح كما وضع أول لحن للموسيقى التصويرية، لفيلم “مجنون القيروان” وهو أول فيلم تونسي صور قبل الاستقلال . وكان الفنان على اطلاع هام على الموسيقى العربية والعالمية، بينما كان يعتبر الشيخ سيد درويش أحد رواد الموسيقى العربية، فهو كما كان يقول “نابغة وفنان موهوب وله إحساس مرهف وألحان في غاية الرقة والإبداع والإمتاع، وهو نابغة طور الموسيقى العربية وطعمها بقواعد غربية، لكنه حافظ على درجاتها ونغماتها، وقد شهدت الموسيقى العربية فترة انتقالية في حياته الفنية لم تشهدها من قبل”. وانطلاقا من الإيمان بأنه رغم كل الأدوار التي قام بها التريكي في المجال الموسيقي، والكمّ الزّاخر من الآثار الإبداعية التي خلّفها، ومساهمته في بناء «الشخصية التونسية»، فإنّه لم ينل حظَّهُ من التّبجيل الذي يستحقه، ويأتي هذا الكتاب، وفق مركز الموسيقى العربية والمتوسطية، ليتجاوز هشاشة الذاكرة ويُرسّخَ لمكانة التريكي في المخيلة الجماعية للتونسيين ويعزز ذكره بصفته فنانا قدَّمَ الكثير للموسيقى المغاربية والعربية، وذلك بتبيين أهمية منجزاته المتعددة وتوثيقها، والكشف عن مميزات أعماله الفنية وتثمينها.

مشاركة :