لطالما تشابك علم النفس بالأدب، حتى أن واحدةً من أشهر العقد النفسية (عقدة أوديب)، تم استيحاءها من الميثولوجيا الإغريقية، التي وصلتنا كنصوص أدبية. فالأدب مرآة لمختلف الجوانب الإنسانية والمجتمعية، وهو كذلك حمالُ أبعادٍ، يمكنُ للقارئ المتبصر التعمق في أغوارها، وهذا ما خلصت إليه محاضرة «الاتجاهات النفسية في الأدب»، التي قدّمها أستاذ علم النفس بـ«جامعة البحرين»، الدكتور محمد حسن المطوع، في «أسرة الأدباء والكتاب»، منتصف (سبتمبر). في هذه المحاضرة، اتخذ المطوع، من رواية «السراب» لنجيب محفوظ، إنموذجًا لقراءتهِ النفسية؛ إذ يُعد اتجاه القراءة النفسية للنصوص الأدبية، واحدٌ من القراءات النقدية التي تستهدف قراءة النص الأدبي، بأدوات التحليل النفسي، واتجاهاته، وعلى هذا الأساس، قدم المطوع، تحليلاً نفسياً مفصلاً لرواية محفوظ، من حيثُ الشخوص، والأحداث، والوقائع، والأزمنة، والسياقات الاجتماعية، مستعينًا بالاتجاهات النفسية، التي حلل من خلالها الأنساق الأسرية، والعنف، والفحولة، والتدليل المفرط، والصراعات... وغيرها من الجوانب التي تفيضُ بها الرواية. ولفت المطوع، بأن التحليل النفسي للأدب، متناولٌ في النقد العربي الحديث، بيد أنهُ «كانت هناك نظريات نفسية في التراث العربي»، مشيرًا إلى ابن سلامة الجمحي (القرن الثالث هـ)، الذي كتب عن الجوانب النفسية في الشعر، بالإضافة للقاضي الجرجاني (القرن الرابع هـ)، بتناوله «أهل النقص»، أو الدونية، إلى جانب حازم القرطاجني (القرن السابع هـ)، الذي حلل الأثر النفسي للأدب في نفس متلقيه عن طريق التخييل، في كتابه «منهاج البلغاء وسراج الأدباء»، وغيرهم من أساطين الأولين، الذين تناولوا هذا الجانب، وصولاً للعصر الحديث، الذي شاع فيه تناول الجانب النفسي في الأدب، خاصة، كما يشير المطوع، في «المغرب العربي، الذي يشهدُ اهتمامًا خاصًا بالنظرة النفسية للأدب». ويشيرُ المطوع، بأن التحليل النفسي «حقق نتائج مهمة في تعاطيه مع الأعمال الفنية والأدبية، وشجع كثير من النقاد على اعتماده كمنهج من مناهج النقد»، وهذا ما حذا بهم لـ«تطبيق العديد من النظريات النفسية على النصوص الأدبية، كما فعل (فرويد)، فيما يتعلق بعقدة (أوديب) الذكورية، أو عقدة (إلكترا) الأنثوية»، وعلى ذلك، يؤكد المطوع، بأن القارئ للنص الأدبي قراءة نفسية، يحرصُ على التسؤلات الأولية المتعلقة بعناصر بناء السرد، مقرونةً بالتحليل النفسي، وتطبيقاتهُ، إلى جانب قراءة الشخوص قراءة نفسية، والتقصي عن الأحاسيس في السرد الأدبي، والتأثيرات النفسية للمكان والزمان، وللأحداث المختلفة، مبيناً بأن عناصر البناء الفني، كالشخوص «بوصفها المحرك للأحداث في المكان والزمان»، تعدُ عنصراً رئيساً لفهم الأبعاد النفسية، فيما يشكل الحدث جانبًا آخر يدفعهُ للتساؤول عما سيحدث، بدلاً من استدعاء الأحداث، وبذلك يشكل الحدث «مثيراً للإنفعالات الحادة، كالتوقع، والخوف..»، أما عنصري الزمان والمكان، فهما الإطار الذي تقعُ فيه الأحداث، ولهما أهمية بالغة كما يبين المطوع، «حيثُ يشكل المكان عنصراً مهماً في خلق خلفية، إلى جانب كونهُ أساس في إظهار المضمون الاجتماعي والسياسي للنص»، فيما تتمثل أهمية الزمان، في خلق السياقات الزمنية. ويبيّن المطوع، بأن التحليل النفسي، ينطلق من اتجاهين: الاتجاه الفرويدي (نسبة لفرويد)، والاتجاه اليونغي (نسبة لكارل يونغ)، موضحًا، بأن الاتجاه الفرويدي يرى بأن «التطور النفسي للفرد يكرر تطور البشرية كلها، أما العمليات اللاشعورية فهي التي تحدد نشوء المعايير الأخلاقية، فيما التابو (المحرم)، يتشكل من صراعٍ العلاقات الاجتماعية، مع الفردية». وأما الاتجاه الآخر، فيرى بأن «تأثير العوامل الموضوعية والذاتية، تكمن وراء استعداد الإنسان للقيام بنشاط معين، إلى جانب كون الفرد يكتسب هذه العوامل من مجتمعه المحيط». وبذلك يصل المطوع، إلى أن التحليل النفسي للنص الأدبي، يهدف إلى «إرجاع مجمل بنى الشيء (النص الأدبي هنا) إلى ارتباطاته المتصلة بنفس مبدع النص الأدبي (المؤلف)»، وهذا ما يتفق، كما يقول المطوع، مع الاتجاه اليونغي، إلا أن التحليل النفسي للنص الأدبي، يتحرك وفق هذان الاتجاهان، كما يؤكد، مبيناً بأنهُ «عندما يغلب على النص البعد الفردي، فإنهُ يتلائم في التحليل مع الاتجاه الفرويدي، فيما يحلل الاتجاه اليونغي، الأبعاد الجماعية في النص»، وهنا يقف المطوع عند الاحاسيس التي يستشعرها القارئ أثناء قراءته للنص الأدبي، مؤكداً بأن هي انعكاسات، لما قد عايشهُ المؤلف نفسه، «عندما يكتب الكاتب نصه، فلابد أن يضع خبراته داخل النص، فإن كانت هذه الخبرات نفسية، بإنها ستتجلى في نصه، سواء كاضطرابات نفسية أو أمراض، أو أزمات..، وللقارئ المتبصر بالتحليل النفسي المقدرة على تفحص هذه التجليات، وقراءتها».
مشاركة :