ستندال.. رائد التحليل النفسي في الأدب

  • 10/14/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» «ستندال» اسم مستعار من بلدة ألمانية صغيرة، تسمّى به الكاتب الفرنسي الكبير «هنري بيل»، الذي أثار بكتاباته ضجة كبرى في القرن التاسع عشر، حيث ولد قبيل الثورة الفرنسية وعاش في عصر حروب واضطرابات دائمة وثورات اجتماعية كبيرة، لم تشغل فرنسا وحدها، وإنما امتد هذا الصراع العنيف إلى كثير من بلدان أوروبا.كرّمت الحكومة الفرنسية ستندال (23 يناير 1783- 22 مارس 1842) فمنحته عام 1835 وساماً، تقديرًا لأدبه، غير أن الأدباء والنقاد الفرنسيين قد اختلفوا اختلافاً شديداً في الحكم عليه، ففيكتور هوجو كان يحتقره، وألفريد دي فيني كان يخاف منه، ولم يخصص له ألفريد دي موسيه إلا فقرة واحدة في شعره، ولم يكن بروسبير ميريميه من المعجبين بأدبه، وإن كان صديقاً وتلميذاً له، وكان لستندال تأثير كبير فيه، فقد علّمه مذهباً جديداً في الحياة، يقوم على الشدة والولع بالموسيقى والتمتع بالحياة.وكان بلزاك أول من درس رواية «دير بارم» دراسة طويلة، ووصفها بأن السمو يتجلى في فصولها، فصل بعد فصل، فتحمس لستندال، ونادى به أستاذاً من أساتذة القصة عام 1840، لكن معاصريه كانوا لا يؤمنون بشيء من هذا كله.تحمّل ستندال هذا الظلم الشديد، لأنه كان يعلم أنه في مؤلفاته خارج على تقاليد عصره، فهو يقول في «الأحمر والأسود»: «ومع ذلك فالقصة يا سيدي مرآة ينعكس فيها كل ما في الطريق العام، فهي تارة تعكس زرقة السماء، وتارة تعكس الوحل الذي يجلل الطريق، أما الرجل الذي يحمل المرآة فأنت لا تتردد في اتهامه بأنه لا يرعى الأخلاق، لأن مرآته تريك الوحل، وأنت تتهم المرآة، أولى بك أن تتهم الطريق العام الذي جللته الأوحال، بل أولى من ذلك وأصح أن تتهم مفتش الطريق الذي ترك الماء يأسن، فتراكمت بسببه الأوحال».بالرغم من ذلك الظلم الذي حاصر ستندال في حياته، فإن نيتشه وتولستوي كان رأيهما أنه أب للتحليل النفسي في الأدب، وأن أدبه يصطبغ بالصبغة العلمية، وأتيحت لستندال بعد وفاته شهرة كبيرة، أخذت تزداد على مر السنين، واهتمت السينما بمؤلفاته، وأعدت البرامج التي تتناول حياته وأدبه وأبطال قصصه وغرامياته على أن القراء من غير الفرنسيين يكتفون بقراءة روايتين لستندال هما «الأحمر والأسود» و«دير بارم».نشر ستندال أول كتاب له وهو «حياة هايدن وموزارت وميتاستاز» سنة 1814، ثم نشر كتابه «تاريخ الرسم في إيطاليا» وأهداه إلى نابليون، ونظريته في الفن تعنى عناية شديدة بالمضمون أكثر من عنايته بالشكل. يعتبر كتابه «نزهات في روما» بمثابة دليل أدبي يدل على معالم إيطاليا، ويعرف بها تعريفاً صادقاً، وهو تجديد أدخله ستندال في الأدب الفرنسي، وأطلق عليه منذ ذلك الوقت «أدب الرحلات» أو «الأدب السياحي».خلال تسع سنوات من عام 1822 إلى 1831 أنجز ستندال كتاب «من الحب» وهو دراسة نفسية عميقة، فلم يكن الجمال الكلاسيكي هو الذي يجذب ستندال، كان يرى الجمال اليوناني تافهاً، وأولع بالجمال الذي لا نظير له في العالم، واتخذ من إيطاليا مثلا أعلى له، ومن المفارقات أن هذا الكتاب لم يقبل عليه أحد طوال أحد عشر عاماً، حتى إن الناشر وصفه بأنه «كتاب مقدس لا يمسه أحد».أصيب ستندال بهبوط مفاجئ في القلب وهو يسير في أحد شوارع باريس، وظل على قيد الحياة ليوم واحد ثم مات، ولم يشيع جثمانه إلى مقبرة مونمارت سوى ثلاثة أشخاص، لأن ستندال لم يكن معروفاً من الجمهور، وكان الكثير من الأدباء يتجاهلونه، حتى إن بعض الصحفيين حرّفوا اسمه وهم ينعونه، فقد كانت حياة ستندال مضطربة، حياة سائح يحب التنقل دائما، لا حياة مؤلف طابعها الهدوء والاستقرار، وهذا هو السر في أن أدبه لم يكن معروفًا تماماً من معاصريه، وأن كتبه على أكثرها لم تكن ذائعة في عصره، وقد تنبأ قبل أن يغادر الحياة بأنه سيعرف فيما بعد، حين قال: «لن أعرف إلا بعد مئة عام»!

مشاركة :