لقاءات متعددة بين المسؤولين الأردنيين والسوريين تشير بوضوح الى انفتاح متنامٍ بين البلدين. أهم هذه اللقاءات على الإطلاق كان بين قادة الجيوش في البلدين، فهما رمز عميق للسيادة، ولأن العسكر لا يواربون يثقون ويطبقون أي نقاشات وتفاهمات قد يتم الوصول إليها. هذه المقاربات الجديدة مفيدة للبلدين وتغادر المرحلة السابقة بكل ما ترتب عليها من تكلفة باهظة، لكنها ليست حالة من الانفتاح والتطبيع الكامل بين الدولتين الشقيقتين الجارتين، بل إن ما يجري يمكن فهمه في سياق المحاولة لاستكشاف مدى تغير السلوك والسياسات السورية، وهذا ملخص وعنوان للسياسة الأردنية والعالمية الجديدة تجاه سورية، وهو الوصف الدقيق الذي أطلقه جلالة الملك ودعوته للعالم ليغادر مرحلة المطالبة بتغيير النظام في سورية ليطالبها بتغيير السلوك، ما شكل مطلبا براغماتيا منطقيا متسقا مع مصلحة العالم في تعامله مع الملف السوري. الأردن ينفتح على سورية بعد نقاشات مع الولايات المتحدة وروسيا ذاتي الأيدي الطولى هناك، والنقاشات يبدو أنها أفضت لتفاهم على خطوات بالانفتاح واستكشاف سورية ما بعد الحرب، مع إدراك الأردن لمحددات العقوبات الدولية على سورية وقانون قيصر على أي خطوة انفتاحية تجاه سورية. العلاقات مع أميركا أهم بكثير للأردن من العلاقات مع سورية، أي مبتدئ بالعلاقات الدولية يدرك هذه الحقيقة، وإذا كان العالم وأميركا قد استجابا للتوجه الأردني في التقارب مع سورية من منطلق الحرص على الأردن والصداقة معه والدفع باتجاه حماية مصالحه، فالأردن بحكمته وخبرته بالمشهد الأميركي يدرك أن عليه أن يسير بحذر وهو يتقارب مع سورية، ذلك أن أي خطوات غير محسوبة أو منسقة ستحرج حليفه الأميركي، الذي سيكون عليه تقديم الكثير من التفسير للكونغرس الذي أقر قانون قيصر. لنا تجربة من أميركا إبان الحصار على العراق، عندما سمحوا لنا شفهيا ببعض الانفتاح ثم عادوا عن ذلك عندما أحرجت الحكومة الأميركية أمام المراقبين التشريعيين في الكونغرس. للأردن وسورية مصلحة كبيرة بالانفتاح الشامل وإنجاحه: سورية في ضائقة اقتصادية قاتلة، وهي بحاجة ماسة لإعادة انفتاح العالم عليها، وللأردن مصالح أمنية واقتصادية أيضا، فقد كبدته الأزمة السورية الكثير اقتصاديا جراء العبء العسكري والأمني وجراء استضافة ملايين اللاجئين. بوادر نجاح الانفتاح موجودة، فثمة تغيير منذ زمن بالنبرة السورية تجاه الأردن، بعد أن أدرك العقلاء هناك أن الموقف الأردني هو الأصح والأشرف والأكثر أخوة على الإطلاق، فقد دافع الأردن عن وحدة سورية وتماسك مؤسساتها، محذرا من انهيار الدولة على غرار ما حدث مع عدد من الدول العربية، وكانت مصلحته دائما في دولة سورية قادرة على إبقاء مشاكلها داخل حدودها، تسيطر على الإرهاب وتمنع الميليشيات وتبعدها وتحمي جانبها من الحدود، ولا تكون مغناطيسا للإرهاب الإقليمي والعالمي. تحمل الأردن تحرشات النظام السوري وسفيره اللفظية، مبقيا على رؤيته الاستراتيجية تجاه الملف السوري، ولم تطلق طلقة واحدة من الجيش العربي على الجيش السوري، وهذا ما يعلمه ويقدره العسكريون والأمنيون السوريون. كل ذلك يمكن البناء عليه، ولكن مفتاح النجاح بإعادة سورية للحاضنة العربية والعالم، أن يحدث تغيير حقيقي فعلي في سياسات وسلوكيات صناع القرار في سورية. (الغد)
مشاركة :