كيف أعادت جائحة كوفيد - 19 تشكيل لغة الإشارة

  • 10/2/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

"التواصل" كلمة السر في دمج الصم وضعاف السمع في المجتمع وتقليل الكثير من متاعبهم الناتجة عن عدم قدرتهم على التعبير عن أنفسهم بطريقة يفهمها باقي المجتمع. ومع ذلك في سياق أزمة وباء كورونا، يمكن للصم التعبير عن أنفسهم باستخدام التكنولوجيا، وتحديدا تطبيقات الدردشة المرئية مثل زووم وهانج أوت وماسنجر فيديو وسكايب. مع وقوع العالم في قبضة جائحة كورونا على مدار ما يقرب العامين الماضيين، تعلم معظم البشر التواصل بطرق جديدة.. لقد انتقل كل ذلك إلى مؤتمرات الفيديو. وطور البشر طرقا لمواصلة العمل اليومي وهم ملتصقون بشاشات الكمبيوتر الخاصة بنا، وتمكنا من التكيف مع التواصل أثناء ارتداء الكمامات. وبالنسبة إلى الكثيرين، أصبح تطبيق “زوم” بمثابة شريان حياة أساسي للتواصل مع العالم الخارجي، مع توفيره خيار المكالمات المجانية، التي تصل مدتها إلى 40 دقيقة، وخيار المكالمات غير المحدودة باشتراك مدفوع، يتيح للأشخاص القيام بالعديد من المهام التي اعتادوا القيام بها وجها لوجه. ورغم أن تطبيق "زووم" كان أحد خيارات مؤتمرات الفيديو العديدة المتاحة بالفعل، إلا أنه استحوذ على أكبر حصة في السوق مقارنة بباقي التطبيقات، لكن مع بدء توزيع لقاحات فايروس كورونا في العالم، قد لا يحتاج البشر إلى إجراء الكثير من محادثات الفيديو في الفترة القادمة. وصرحت المديرة التنفيذية في الشركة أبارنا باوا لموقع "ريكود" "آمل أن نقدم خدمة جيدة بما يكفي، حتى يرغب الناس في استخدامها، سواء بوجود أزمة أو عدمها". لغة كأي لغة قراءة التعابير قراءة التعابير إن نهاية الوباء لا تعني نهاية مكالمات الفيديو، وإنما استخداما أقل للفيديو، لكن من المرجح أن يصبح الفيديو مكونا دائما في التواصل الاجتماعي بين البشر، إن لم يصبح ضرورة ماسة. ولكن بالنسبة إلى مجتمع الصم والبكم، فإن ارتداء الكمامات وعقد المؤتمرات عبر الفيديو قد شكّلا تحديات فريدة بالنسبة إليهم. ولغة الإشارة هي لغة بصرية يعالج فيها الدماغ المعلومات اللغوية من خلال العينين. وتلعب حركة اليدين والجسم وتعبيرات الوجه دورا أساسيا في نقل المعلومات. وفي اللغة المنطوقة، يمكن إظهار العواطف والأسئلة من خلال رفع نبرة الأصوات أو تعديل ترتيب الكلمات. ومع ذلك، فإن مستخدمي لغات الإشارة يعبرون عن مشاعرهم ويطرحون الأسئلة عن طريق رفع حواجبهم، وتوسيع أعينهم، وتحريك شفاههم وإمالة أجسادهم إلى الأمام وقد عقد استخدام الكمامات استخدام لغة الإشارة. ولا توجد لغة إشارة عالمية، حيث يتم استخدام لغات إشارة مختلفة في بلدان ومناطق مختلفة. وفي تونس، حيث يبلغ عدد الأشخاص فاقدي حاسة السمع نحو 200 ألف تونسي، تساعد الشابة شيماء العمدوني مجتمع الصم في مكافحة كورونا بطريقة إبداعية، حيث تطوعت لإيصال كافة المعلومات حول الوباء لهم، كما ترجمت ندوات وزارة الصحة المتعلقة بفايروس كورونا إلى لغة الإشارة مجانا. وفي الساعة الـ11 من صباح كل يوم كان التونسيون أثناء ذروة تفشي وباء كورونا في البلاد على موعد مع نشرة إخبارية تقدمها الشابة شيماء لمتابعيها بلغة الإشارة. وتقف شيماء جنبا إلى جنب حذو منصة فريق وزارة الصحة المخصصة في الموعد اليومي للمعلومات المتعلقة بهذا الفايروس في البلاد، تنقل كل ما يأتي على لسان الفريق إلى لغة الإشارة، ولا تترك شاردة ولا واردة إلا وتترجمها.‪ وتعدّ تونس سبّاقة في الاعتراف بهذه اللغة باعتبارها أول بلد عربي خصّها باختصاص جامعي يخرّج سنويا حوالي عشرة مختصين من حاملي شهادة “الإجازة الأساسيّة في لغة الإشارات”. وحرصا منها على إيصال المعلومة إلى فاقدي السمع والنطق، تعمل شيماء منذ مدة وحتى قبل ظهور فايروس كورونا في العالم على ترجمة أي معطى أو معلومة وطنية جديدة إلى لغة الإشارة، وتبث مقاطع ترجمتها عبر صفحتها على فيسبوك التي تلقى تفاعلا شديدا من متابعيها وأصدقائها. ونشرت مثلا فيديو بلغة الإشارات تضمن القرارات المُعلنة في الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية قيس سعيّد. وتشير خبيرة ومترجمة لغة الإشارة الأردنية ريهام اللوزي إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي وفرت للأشخاص الصم الانفتاح على العالم الخارجي من خلال التطبيقات المزودة لخدمة الفيديو حيث ساهمت بالتكيف النفسي والاجتماعي الإيجابي. وأوضحت أن لغة الإشارة تشبه أي لغة في العالم، منها ما هو خاضع للترجمة الفورية، وآخر للترجمة العادية، مبينة أن المترجم يبذل جهدا مضاعفا كملاحظة إيماءات الوجه، فيما يضطّر إلى التمثيل لإيصال المعلومة بدقة، ولذلك فإن القوانين والتشريعات أُعطت الحق لاستبدال مترجم الإشارة كل ثلث ساعة بمترجم إشاري آخر. لغات الإشارة، مثل أي لغة أخرى، دائما ما تكون في حالة تغير مستمر، حيث تتكيف مع الظروف والأوقات المحددة ويؤكد خبراء أن لوائح ارتداء الكمامات تجعل الاتصال أكثر صعوبة.. حتى أثناء ارتدائها، يستطيع الصم التواصل مع بعضهم البعض بشأن القضايا اليومية باستخدام لغة الإشارة. وأضاف ستيفان بالم - زيزينيتس رئيس جمعية هامبورغ للصم والبكم، وهو رجل في أواخر الخمسينات من عمره ولم يتمكن من السماع منذ ولادته “لكن التواصل مع الأشخاص الذين يسمعون عندما يرتدون الكمامات هو أمر مستحيل”. ويطلب من الأشخاص الذين يسمعون خلع الكمامات قبل التحدث حتى يتمكن من قراءة شفاههم ورؤية تعابير وجوههم. وفي مؤتمرات الفيديو، كان لانتشار الوباء تأثير أيضا على لغات الإشارة نفسها. فوفقا لمقال نُشر في فيفري 2021 في مجلة “سانتفيك أميركان” يتم تعديل الإشارات لتلائم اتصالات الفيديو. بينما يمكن لمستخدمي لغة الإشارة الاستفادة من مؤتمرات الفيديو لأنهم يستطيعون رؤية بعضهم البعض، يمكن أن يحد حجم نافدة الشاشة من إمكانية التعبير. وقال مايكل سكايير المحاضر البارز في تعليم الصم في معهد روتشستر للتكنولوجيا، لـ”سانتفيك أميركان” “مساحة الإشارة واسعة”. وقال سكايير، وهو نفسه أصم، “الكثير من الإشارات تحتاج لمساحة أكبر لإتمامها". بالإضافة إلى ذلك، يصعب نقل وعرض الإشارات الصغيرة ذات الحركات الدقيقة باستخدام الأصابع فقط على الشاشات الصغيرة. وبالمثل، يصعب فك رموز الحركات الأمامية وجها لوجه، مما أدى ذلك إلى إجراء بعض التعديلات، بحيث يمكن رؤية إيماءاتهم جزئيا من الجانب. كما ظهرت إشارات جديدة بلغة الإشارة، مثل "تكبير". والجدير بالذكر أن لغات الإشارة، مثل أي لغة أخرى، دائما ما تكون في حالة تغير مستمر، حيث تتكيف مع الظروف والأوقات المحددة. ولا توجد لغة إشارة واحدة، بل المئات في جميع أنحاء العالم، حيث تساعد لغة الإشارة الدولية في تسهيل التواصل بين الصم في المؤتمرات العالمية، على سبيل المثال. كما تستخدم إشارات مختلفة باختلاف البلدان والمناطق. فقد لا يفهم الأميركيون، الذين يعرفون لغة الإشارة، لغة الإشارة البريطانية، على سبيل المثال. وقالت كريستينا لاريسا فونكهاوزر مغنية الأوبرا “يعتقد الكثير من الناس أن لغة الإشارة هي شكل مبسط من التعبير، مثل عندما تريد التواصل مع "السباحة"، على سبيل المثال، أنك تقوم فقط بحركات السباحة". وأضافت "هناك اعتقاد أنه لا يمكنك نقل الأفكار إلا بطريقة محدودة بلغة الإشارة، ولكن العكس هو الصحيح: يمكنك التعبير عن أي شيء كل موضوع مجرد، أي عاطفة ثانوية وكبيرة". هوة شائعة مساحة أكبر لإيصال الأفكار مساحة أكبر لإيصال الأفكار وفقا لما ذكرته منظمة الصحة العالمية، يعاني 360 مليون شخص عالميا أي نحو 5 في المئة من سكان العالم يعانون من فقدان السمع المسبب للعجز، و32 مليونا منهم من الأطفال، ويتعرض 1.1 مليار شاب تتراوح أعمارهم بين 12 و35 سنة لخطر فقدان السمع بسبب ضوضاء الموسيقى. ووفقا لإحصائيات الاتحاد العالمي للصم، فإن تعداد مجتمع الصم حول العالم أكبر مما نتخيل، بقوام يفوق 72 مليون شخص، يعيش من بينهم 80 في المئة في الدول الفقيرة النامية، حيث يصعب توفير الوسائل التكنولوجية الحديثة للكشف المبكر عن مشاكل السمع. ويستخدم هؤلاء جميعا أكثر من 300 لغة إشارة مختلفة للتواصل في ما بينهم، ومع العالم الخارجي. وقد اهتمت اتفاقية الأمم المتحدة التي صادقت عليها الدول العربية، بالأشخاص الصم ولغة الإشارة، من خلال المواد 2 و9 و21 و30، وأكدت هذه الاتفاقية على الاعتراف بلغة الإشارة واحترام ثقافة الأشخاص الصم، والحق في الحصول على الترجمة الإشارية. وخصصت الأمم المتحدة الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام للاحتفال بلغات الإشارة، إيمانا منها بأهمية وجود يوم لتعزيز الوعي العالمي بتلك اللغات مكتملة الملامح، التي لا تختلف كثيرا عن غيرها من اللغات المنطوقة، ولدعم حقوق الإنسان لمجتمعات الصم والبكم حول العالم، وحماية هويتهم اللغوية وتنوعهم الثقافي. لكن يبدو أن العالم أمام هوة شاسعة بين السياسات القانونية والممارسات الشائعة بحيث يتعرض ذوو الإعاقات للفصل في المجتمع ويعانون التمييز ولا يتمتعون بالحقوق الأخرى كغيرهم من المواطنين. وتتجاهل الغالبية في المجتمعات العربية حاجات هذه الأقلية ويرى خبراء ضرورة زيادة الوعي لدى الأشخاص العاديين. ويواجه مجتمع الصمّ في المجتمعات العربية العديد من التحديات للاستمرار ضمن المجتمع ككل ومازال الصمّ يواجهون التمييز والأفكار النمطية والمغلوطة التي تعتبر أنهم أغبياء وعاجزون عن التعلم. 95 في المئة من الصمّ ينقطعون عن الدراسة من المرحلة الابتدائية و3 في المئة فقط يصلون إلى مستوى الباكالوريا و2 في المئة منهم يدخلون الجامعة ولا يحظى دمج أقلية الصم في سوق العمل بالاعتراف الكبير ما يفرض تحديا جديدا ليس على الصمّ وحدهم بل على غالبية ذوي الاحتياجات الخاصة. وبالنسبة إلى العمالة، يُعتبر حماس الشركات للالتزام بتوظيف ذوي الحاجات الخاصة بنسبة 1 في المئة تطورا واعدا وتقدم الحكومة التونسية حافزا يتيح دفع رواتب هؤلاء الموظفين من الضرائب إلا أن هذه الحصة نادرا ما تُطبق في الممارسة. كما يمكن أن يكون معدل الدمج المنخفض مؤشرا على نوعية التعليم الرديئة نسبيا في المراكز المتخصصة. وفي تونس مثلا 95 في المئة من الصمّ ينقطعون عن الدراسة من المرحلة الابتدائية و3 في المئة فقط يصلون إلى مستوى الباكالوريا و2 في المئة منهم يدخلون الجامعة ليدرسوا في 3 مجالات بعينها وهي الإعلامية وعلوم الرياضيات والفنون والحرف، معتبرا أن هذه الأرقام مخيفة وتتطلب وعيا مجتمعيا بخطورتها. ويروي جمال خاطر الناشط في مجال حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة السمعية في الأردن، الذي يعمل مدربا للغة الإشارة، معاناته ومعاناة أقرانه، من حيث صعوبة الحصول على وظيفة تناسب مؤهلاتهم العلمية، واقتصارها على الوظائف الدنيا، ونظرة الانتقاص التي يتعرضون لها من بعض القائمين على توظيفهم في هذا المجال، داعيا للاعتراف بقدرات الأشخاص الصم وحقوقهم ودعمهم، وإيجاد مترجم للغة الإشارة في كل مؤسسة من المؤسسات والدوائر الحكومية والمستشفيات والمساجد والكنائس. ويدعو خبراء إلى إعداد استراتيجيات وسياسات تسهم في زيادة عدد مترجمي لغة الإشارة، لتمكين الأشخاص الصم من إزالة المعوقات التي تحول دون حق ممارستهم الطبيعية بالتعليم في ظل قلة أعداد مترجمي لغة الإشارة. لغة تواصلية

مشاركة :