وجهت قبرص اتهامات حادة إلى تركيا بأنها تسعى للهيمنة الإقليمية وللمزيد من التوسّع في العديد من الجبهات لإرساء الإمبراطورية العثمانية الجديدة، وخير دليل على ذلك الإعلان الأخير لأردوغان عن إنشاء قاعدة للطائرات دون طيار في شمال قبرص الانفصالي. اتهم وزير خارجية جزيرة قبرص المقسمة نيكوس كريستودوليديس الرئيس التركي بمحاولة الترويج لإمبراطورية عثمانية جديدة في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط، وقال إن مثل هذا النهج في الجغرافيا السياسية يمكن أن يؤثر سلبا على الأمن الإقليمي. وفي مقابلة مع وكالة “أسوشيتد برس” أشار كريستودوليديس، الذي تنقسم دولته الواقعة في البحر المتوسط إلى شمال قبرصي تركي منفصل وجنوب قبرصي يوناني معترف به دوليا وعضو في الاتحاد الأوروبي، إلى ما أسماه السلوك التركي العدواني الممتد من قبرص إلى سوريا والعراق وليبيا ودول عربية أخرى في المنطقة. وقال كريستودوليديس “نرى عسكرة السياسة الخارجية التركية، وهذا مصدر قلق كبير لجميع دول المنطقة”. الحكومة التركية تصر على أن تحرّكاتها في البحر الأبيض المتوسط موجهة نحو حماية مصالحها ومصالح القبارصة الأتراك وذكّر وزير الخارجية القبرصي بالإمبراطورية العثمانية التي سيطرت على جزء كبير من جنوب شرق أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا بين القرن الرابع عشر وأوائل القرن العشرين من القسطنطينية، التي تعد الآن أكبر مدينة في تركيا (إسطنبول). ودخلت الإمبراطورية الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا والقوى المركزية التي هُزمت، مما أدى إلى تفككها وصعود الجمهورية التركية الحديثة. واستشهد بسياسة وزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو المتمثلة في “صفر مشاكل مع الدول المجاورة”، والتي كانت مفهوما رئيسيا لحزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان. وقال “من صفر من المشاكل مع الجيران، ينتهي بنا المطاف اليوم مع وجود مشاكل لتركيا مع جميع الجيران. لا توجد دولة واحدة ليس لديها مشاكل مع تركيا”. وأضاف الوزير القبرصي “ما نشهده من تركيا هو محاولة للترويج لسياسة عثمانية جديدة في المنطقة. تركيا تريد أن تصبح المهيمنة الإقليمية”. وأجريت المقابلة مع كريستودوليديس الاثنين، وهو اليوم الأخير من الاجتماع السنوي رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أن استضاف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس وزعيم القبارصة الأتراك إرسين تاتار على أمل العودة إلى المفاوضات لإعادة توحيد الدولة الجزيرة المتوسطية. وقبرص مقسمة منذ عام 1974 عندما أرسلت تركيا قوات إلى الجزيرة لمواجهة الانقلاب المدعوم من اليونان. وفي عام 1983 أعلنت قيادة القبارصة الأتراك قيام الجمهورية التركية لشمال قبرص والتي لم تعترف بها إلا أنقرة. كريستودوليديس: إعلان أردوغان عن قاعدة للطائرات دون طيار في شمال قبرص الانفصالي هو مثال على سياسة تركيا العثمانية كريستودوليديس: إعلان أردوغان عن قاعدة للطائرات دون طيار في شمال قبرص الانفصالي هو مثال على سياسة تركيا العثمانية وانتهت جولات عديدة من المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة بالفشل، وانتهت آخر دفعة للتوصل إلى اتفاق سلام في يوليو 2017 بحدّة. وأدى هذا الاجتماع أيضا إلى تحول من جانب تركيا والقبارصة الأتراك نحو السعي لاتفاق الدولتين بدلا من السعي وراء هدفهم المعلن بإعادة توحيد البلاد كاتحاد فيدرالي يتكون من منطقتين تتحدثان اليونانية والتركية على النحو الذي دعا إليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتبدو عين تركيا مصوّبة نحو ثروات قبرص الطبيعية التي تظهر على أنّها الشغل الشاغل لأنقرة. وتنفي الحكومة التركية التي تفتخر بماضي البلاد العثماني أن تكون لديها طموحات توسعية في المنطقة وتصر على أن تحرّكاتها في البحر الأبيض المتوسط موجهة نحو حماية مصالحها ومصالح القبارصة الأتراك في الجزيرة المقسمة ضد ما تعتبره قبرص الحدود البحرية لليونان غير المتناسبة والمطالبات الاستكشافية للطاقة. الحكومة القبرصية تعارض حل الدولتين لأنه سيمنح تركيا السيطرة الكاملة على شمال قبرص أو ما يسمى بـ”دولة القبارصة الأتراك ذات السيادة” وتحتفظ تركيا بقوات في شمال العراق وتنفذ عمليات عبر الحدود هناك بشكل متكرر لمحاربة المسلحين الأكراد. كما أرسلت قواتا إلى سوريا بهدف معلن يتمثل في تطهير حدودها من الميليشيات المرتبطة بالتمرد الكردي. وقدمت تركيا في ليبيا دعما عسكريا لحكومة طرابلس، مما ساعد على قلب التوازن في الصراع ضد القوات المتمركزة في بنغازي والتي تسيطر على الشرق. كما وقّعت تركيا اتفاقية مع حكومة طرابلس لترسيم الحدود البحرية مما أثار احتجاجات من اليونان وقبرص. ويقول كريستودوليديس إن إعلان أردوغان الأخير عن قاعدة للطائرات دون طيار في شمال قبرص الانفصالي هو مثال على سياسة تركيا العثمانية. و”السبب الرئيسي لإنشاء قاعدة الطائرات المسيّرة هذه هو السيطرة على الشرق الأوسط والسيطرة على إسرائيل والسيطرة على مصر. ليس الأمر موجّها إلى قبرص لأنك لست بحاجة في الواقع إلى قاعدة طائرات دون طيار في قبرص لكي ترى الوضع في الجزيرة”، على حدّ قوله. وحسب كريستودوليديس فإن الحكومة القبرصية تعارض بشدة حل الدولتين لأنه سيمنح تركيا السيطرة الكاملة على شمال قبرص أو ما يسمى بـ”دولة القبارصة الأتراك ذات السيادة”، وهذا ليس هو الحال اليوم لأن تركيا فقط هي التي تعترف بالشمال القبرصي التركي وليس المجتمع الدولي. وقال الدبلوماسي القبرصي الكبير إنه لفهم سياسة أردوغان في قبرص، يجب أن يُنظر إليها في سياق ما تفعله القوات التركية في شمال سوريا والعراق وفي ليبيا وفي بعض الدول الأفريقية. أنشطة أردغان تقلق جيرانه أنشطة أردغان تقلق جيرانه وأكّد أن قبرص تعمل على تعزيز أمنها مع جيرانها، وخاصة إسرائيل ومصر، ولكن أيضا مع الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن قبرص وقعت بيان نوايا للتعاون الأمني مع الولايات المتحدة في 2018 وهو “مهم للغاية”. وقال إنه من المهم أيضا أن الاتحاد الأوروبي يفكر في تطوير “جناح أمني”. وجدد الوزير القبرصي دعوة تركيا (التي وجهها العام الماضي قادة قبرص ومصر واليونان) لتصبح شريكا في جني الفوائد المحتملة من احتياطيات الغاز البحرية، بينما حث أنقرة على إنهاء أعمالها “العدوانية” في شرق البحر المتوسط. وأوضح “نحن لا نستبعد أحدا. نريد أن تعمل جميع الدول المجاورة من أجل الاستفادة من إمكانيات الطاقة في منطقتنا”. نيكوس كريستودوليديس يتهم الرئيس التركي بمحاولة الترويج لإمبراطورية عثمانية جديدة في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط وقال كريستودوليديس إن جميع دول المنطقة حددت حدودها البحرية باستثناء تركيا، مضيفا أنها رفضت الدخول في علاقات ثنائية لتحديد حدودها مع قبرص أو الذهاب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا. وتابع “نريد العمل مع تركيا ونحن مستعدون لذلك. ما نطلبه من تركيا هو احترام القانون الدولي فقط، أي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”. وأوضح أن جميع الدول الأخرى في المنطقة تدرك فوائد التعاون “ولكن أيضا حقيقة أننا سنتمكن من مواجهة تحديات المنطقة إن كنا متحدين”. وأشار كمثال على ذلك إلى حرائق الغابات هذا الصيف في قبرص واليونان وإسرائيل والتي شهدت تقديم العديد من الدول في المنطقة للمساعدة. وحدد كريستودوليديس أن رؤية قبرص طويلة المدى تتمثل في إنشاء منظمة إقليمية للأمن والتعاون. وقال “إنها المنطقة الوحيدة في العالم التي لا توجد فيها مثل هذه المنظمات. ونعتقد أن جميع دول المنطقة يمكنها أن تجني فوائد من هذا التعاون الإقليمي”.
مشاركة :