السلطة الانتقالية في السودان.. حوار فنجاح أم تجاذب يقود إلى انهيار؟

  • 10/1/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعثت مواكب شعبية سودانية وصلت إلى القصر الجمهوري في الخرطوم الخميس، برسالة تحذير للسلطة الانتقالية بطرفيها المدني والعسكري تفيد بأن الحالة الثورية لم تتلاش في البلاد، وأن الشارع مستعد لخوض جولة جديدة من الحراك لتصحيح المسارات السياسية، ولا مجال لاستمرار حالة التراشق بين الطرفين. وقاد تجمع المهنيين ولجان المقاومة مسيرات انطلقت من ولايات ومناطق عديدة تحت شعار “مواكب الحكم المدني” لتعيد إلى الأذهان مواكب “إسقاط النظام” التي قادها التكتلان ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير، ما دفع أحزابا وقوى مدنية تدعم الحالة الثورية للمشاركة فيها، على الرغم من اختلاف التوجهات والمطالب. وركز تجمع المهنيين والحزب الشيوعي وقوى شعبية وسياسية خارج السلطة مطالبهم على فض الشراكة مع المكون العسكري وتسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، وهيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، ومراجعة اتفاق جوبا للسلام بما يتماشي مع الوثيقة الدستورية. وفي المقابل، تبنت أجندة تحالف قوى الحرية والتغيير الذي أعلن متأخراً المشاركة في المسيرات رفض أي محاولات انقلابية على الثورة من المدنيين والعسكريين، ودعم المواكب والمطالب في إطار الحفاظ على الشراكة مع المكون العسكري. وقال شهود عيان شاركوا في المسيرات لـ”العرب” إن الانقسام بدا واضحًا في الشعارات التي رفعتها المواكب بين محسوبين على الأحزاب المدنية ويدعمون المكون المدني في الحكومة، وبين شعارات فض الشراكة وإسقاط الحكومة، غير أن هناك اتفاقا على هدف استراتيجي يتمثل في أهمية دعم الحكم المدني. وبعثت المسيرات بإشارات مهمة لجميع مكونات المرحلة الانتقالية تؤكد على أن الذهاب باتجاه التصعيد، والتصعيد المضاد، للاستئثار بمكاسب سياسية لن يكون مقبولاً من قطاعات واسعة، وأن هناك وعيا بما يحاك بين جهات مختلفة لحسم الصراع، وهو أمر لن يأتي بنتائج إيجابية على الأرض، وأن لغة الحوار والتهدئة التي يدعمها المجتمع الدولي الوحيدة القادرة على حل الأزمات المتفاقمة. عبدالواحد إبراهيم: الشارع مُصر على تصويب الأحزاب ودفعها نحو التوحد وأكد مبعوث الرئيس الأميركي لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان خلال لقائه رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك، الأربعاء، أهمية التعاون بين شركاء السلطة لنجاح عملية الانتقال السياسي، وبقاء البلاد ضمن موقعها في المنظومة الدولية، معربا عن دعم بلاده للحكومة بقيادة المدنيين وتثبيت الفترة الانتقالية والوصول إلى نهايتها بالتحول المدني الديمقراطي والانتخابات. ويدعم حراك الشارع موقف القوى المدنية في وجه العسكريين ويبرهن أن هناك كتلا عديدة مازالت تؤمن بالمسار الديمقراطي وترفض التفريط فيه، ما قد يدفع الجيش لمراجعة حساباته لإدراكه أن الانفراد بالسلطة لن يحوز على رضاء أطراف عديدة، بما فيها أحزاب تشارك في السلطة. كما أن المكون المدني في السلطة والذي شارك في المسيرات بات جزءاً من مشكلات الانتقال وعليه مراجعة مواقفه وترميم علاقته مع المواطنين الذين وجهوا إليه انتقادات لاذعة، وأصبح مدركا أن المحاصصة لن تكون كافية لدعم وجوده في السلطة. وقال المحلل السياسي عبدالواحد إبراهيم إن الكثير من الأحزاب توظف المواكب لاستكمال تنفيذ ما اتفقت عليه في الوثيقة الدستورية، في حين أن الشعارات المرفوعة تشير إلى أن مطالب الشارع أكبر من ذلك وتعبر عن غضب عام نتيجة ممارسات الطرفين، وتستهدف تثبيت الحق في الحكم المدني خلال الفترة الانتقالية ورفض استئثار المكون العسكري بالسلطة الانتقالية وضرورة تسليمها للمدنيين في موعدها. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الشارع السوداني يبدو مُصراً على تصويب أوضاع الأحزاب المدنية ودفعها نحو التوحد بعيداً عن المكاسب الضيقة لكل طرف، ويدفع استمرار المسيرات لأيام مقبلة الأحزاب للرضوخ والوصول إلى تسوية مع العسكريين لتسليم السلطة. وما يساعد على ذلك أن الخلاف القائم لا ينفي أن هناك هدفًا متفقا عليه من الجميع يتمثل في أهمية إجراء انتخابات حرة تحت مراقبة دولية تفرز نظاما تعدديا. إمام الحلو: نسعى للتخفيف من حدة التباين بين المدنيين والعسكريين وذهب متابعون إلى أن أحزابا وقوى مدنية غير مشاركة في السلطة ستكون الأكثر استفادة من الحراك الحالي، لأن رؤيتها نحو مخاطر الانغماس في تحالفات مع المكون العسكري من دون رؤية واضحة يدعم تسليم السلطة إليها بعد أن ثبت صحة تقديراتها. وعلاوة على أن التمكين الحزبي لن يكون قادراً على الوقوف في وجه أي مساع نحو الانفراد بالسلطة، بالتالي فالمراجعة السياسية العاجلة مطلوبة في الوقت الحالي. وتصب المواكب بشكل غير مباشر في صالح رؤية رئيس الوزراء حمدوك الذي يدعم توسيع قاعدة القوى السياسية المشاركة في السلطة، ويحاول إنهاء أوجه الخلاف بين الأطراف التي يتشكل منها المكون المدني بما يدعم صلابته في وجه محاولات جر القوى السياسية لنزاعات لن تستطيع حسمها لصالحها. والتقط حزب الأمة القومي، وهو من أكبر الأحزاب في السودان وأكثرها تأثيراً داخل قوى الحرية والتغيير، إشارات الداخل والخارج مبكراً، ودعا إلى حوار شامل وسريع بين المكونين المدني والعسكري. وحذر من أن البديل عن التراضي خلال فترة الانتقال هو الانزلاق إلى براثن الفتن، وكلف مكتبه السياسي بالتشاور مع القوى المعنية للاتفاق على عمل مشترك وفقًا لبنود الوثيقة الدستورية. وذكر رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي إمام الحلو لـ”العرب” أن الحزب يرعى مساع تفاوضية للتخفيف من حدة التباين بين المدنيين والعسكريين من جهة، وداخل التحالف الحكومي والأحزاب المدنية من جهة أخرى. وأوضح أن هناك تصورا وضعه الحزب سيضعه أمام كافة شركاء المرحلة الانتقالية بما يدعم وقف التجاذبات الراهنة ويمنع حدوث خلل في المستقبل. وشدد على أن الحزب يستهدف استعادة زخم وقوة التحالف الحكومي عبر إنهاء الخلافات بين الأحزاب وتوحيدها لتحقيق أهداف متفق عليها وجذب القوى الثورية غير المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير، استكمالا لمبادرات وجهود عدة طرحها الحزب ورئيس الوزراء في فترات سابقة. وتوقع إمام الحلو أن لا تزيد المواكب التصعيد مع المكون العسكري، فهي لا تستهدفه، لكنها تؤكد على دعم التحول المدني، وأن الشارع مازال يملك القدرة على الحضور والتأثير في المشهد السياسي، وسيمنع أي محاولات لتغيير التركيبة الحالية في السلطة، مؤكدا أن شعارات المرفوعة بشأن فض الشراكة لا تلقى قبولاً واسعًا من المواطنين الذين يستهدفون تمرير المرحلة الانتقالية دون صدامات خوفا من الانهيار.

مشاركة :