التجاذبات السياسية تهدد تماسك السلطة الانتقالية في السودان

  • 2/8/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أعلن مجلس السيادة السوداني، استئناف المفاوضات في جوبا، مع الجبهة الثورية، كممثلة لحركات مسلحة وقوى سياسية عدة، لوقف التدهور الحاصل في بعض الأجسام السياسية، فيما لم يتم الإعلان عن خارطة المفاوضات، كما هو معهود، ما يشي بعدم استبعاد حدوث خلافات. وتخشى دوائر سياسية سودانية من إمكانية اندلاع موجة ثورية جديدة، تأثراً بإخفاق عملية السلام وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وعدم قدرة السلطة الانتقالية على تغذية مفهوم الدولة وتماسكها في مواجهة مكونات سياسية متناحرة. وناشدت الجبهة الثورية، الجمعة، أطراف الحكومة سرعة إنهاء التجاذبات التي تمخضت عن لقاء البرهان ونتنياهو في عنتيبي، وتجنب تأثير تداعياتها على سير العملية السلمية في جوبا، نتيجة لانشغال وفد الحكومة المفاوض بما أفرزه الاجتماع من انعكاسات على مكونات السلطة الانتقالية في الخرطوم. وأبدت الجبهة، قلقها من التأجيل المتكرر لانطلاق التفاوض على بعض المسارات، قبل أسبوع واحد من انتهاء الفترة الزمنية المقرر التوصل خلالها إلى اتفاق سلام شامل في البلاد. وكان من المقرر أن تبدأ جولة جديدة من المفاوضات في جوبا بين وفد الحكومة والجبهة الثورية، مطلع الأسبوع الماضي. وتأجلت المحادثات أكثر من مرة على خلفية أصداء لقاء البرهان نتنياهو، فيما لم يصل الطرفان بعد إلى اتفاق على الجزء الأكبر من ملفات السلام، ولم يذهبا بعد إلى مناقشة المسائل القومية. وانخفضت الأسهم التي ترجح نجاح مفاوضات السلام بشكل ملحوظ، وبدا أن هناك اتفاقا بين العديد من السياسيين على صعوبة الوصول إلى اتفاق نهائي بين الحركات المسلحة في الوقت المحدد، وذهب البعض إلى إمكانية استمرار تجزئة ملفات السلام والوصول إلى توافق مع بعض الحركات من دون غيرها، ما يجعل قوى فاعلة في الهامش خارج سيطرة الدولة. وقال نائب أمين التفاوض والسلام بحركة العدل والمساواة، المرضي أبوالقاسم، إن هناك جملة من الملفات العالقة في ملف سلام دارفور باعتباره الأكبر والأكثر تعقيداً في المباحثات، فما زالت الحكومة تصر على بقاء شكل الحكم في الولايات كما كان في السابق (إقليمي – فيدرالي – ولاياتي)، فيما ترى الجبهة الثورية أن ذلك لا يخدم المرحلة المقبلة وأن المستويات يجب أن تكون، اتحادي – إقليمي – محلي. وأضاف أبوالقاسم لـ”العرب”، أن ملف تعيين حدود الولايات من الملفات التي بها تباينات عدة، لأن حركات دارفور مثلا تطالب بالعودة إلى حدود العام 1933، فيما تسعى الحكومة لبقاء الحدود كما هي وفقا لخارطة 1956، وبذلك تقتطع جزءا كبيرا من ولايات دارفور لصالح الشمال. وأشار إلى أن ثمة مشكلة أخرى، تتمثل في تقديم المطلوبين لدى العدالة الدولية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو أمر لم تحسمه الحكومة أيضاً وتصّر عليه الحركات المسلحة، إضافة إلى ملف دمج أبناء الولايات في الخدمة المدنية وهو ما لم يتم التوافق عليه بعد. وتزيد الخلافات بين مكونات السلطة الانتقالية من تعقيد عملية التوصل إلى سلام شامل بمشاركة كافة الحركات، في ظل عدم قناعة البعض بالشكل الحالي لمكوناتها، وأن هذا التيار يمثله عبدالواحد محمد نور، رئيس أحد أجنحة حركة تحرير السودان، والذي رفض الاعتراف بالوثيقة الدستورية الموقعة بين القوى المدنية والمجلس العسكري، ولم يشارك في أي حوارات مباشرة. ولعل ذلك ما دفع الحركة الشعبية شمال- جناح مالك عقار، إلى التحذير من خطورة استبعاد أي من مكونات الحكم على خلفية ما أثير مؤخرا من تباينات. واعتبرت قيادات في الحركة أن الأمر ستكون عواقبه وخيمة على البلاد، لأن الأوضاع الحالية مليئة بالهشاشة السياسية والأمنية ولا تحتمل صراعا بين قوى الثورة وأجهزة الحكم الانتقالي. وتجد السلطة الانتقالية نفسها في مأزق، لأنها تحاول إرضاء المكون المدني الذي يرى أن بساط الحكم ينسحب من تحت أقدامه، بما يمهد لإمكانية تكليف ولاة جدد والإسراع في خطوات تعيين المجلس التشريعي. وقد تنهي هذه خطوات آمال الوصول إلى السلام، في ظل إصرار الحركات على الانتظار لحين نهاية المفاوضات، كما أن الحكومة تعّول على هذا الملف لتسريع وتيرة المحادثات والضغط على بعض الحركات. ويتطلب التعامل مع المأزق الحالي المزيد من المحادثات السياسية بين المكونات المدنية والشق العسكري في مجلس السيادة، وذلك ما دعا إليه تجمع المهنيين في المؤتمر الصحافي الذي عقده، مساء الخميس، بما يضمن ترميم الشروخ السياسية والتأسيس لمرحلة جديدة من التعاون بين الطرفين قد تمهد لتعديلات طفيفة في الوثيقة الدستورية. وأضاف، أن التفاهمات الجديدة تشمل زيادة وتيرة انخراط المكون العسكري في الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، لأن هناك 60 بالمئة من الأنشطة الاقتصادية تابعة لمؤسسات شرطية وعسكرية في قطاعات البترول والتعدين والاستيراد والتصدير، بما يؤدي إلى إحداث تحسن في الأوضاع الحالية. ويتفق العديد من خبراء على أن المكون العسكري أدار الملف الاقتصادي بشكل جيد في أثناء توليه مقاليد الأمور في البلاد قبل توقيع الوثيقة الدستورية، وبالتالي فإن استعادة هذا الدور الذي توقف بحسب بنود الوثيقة سيعد مطروحا بشدة للحد من اضطرابات المرحلة المقبلة. وأكد أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة، حامد التيجاني، لـ”العرب”، أن السلطة الانتقالية ما زالت تحت صدمة تصاعد أحداث لقاء البرهان نتنياهو، غير أن الجميع يدرك أن الحل يكمن في التركيز على القضايا الداخلية وإنهاء الأزمات المتفاقمة والوصول إلى سلام شامل. ولفت إلى أن تقديم تنازلات في ملفات خارجية في ظل الأوضاع الداخلية المتأزمة لن يؤدي إلى رفع العقوبات الأميركية على السودان، ولن يفضي إلى حدوث تقدم ملموس، بل إن الحكومة الانتقالية تخصم من رصيدها السياسي يوماً بعد آخر من دون أن تدري.

مشاركة :