يستعدّ العراق لانتخابات برلمانية مبكرة، وسط سلسلة من التحديات أبرزها الأزمة الاقتصادية الصعبة، وفساد مزمن متحكم بمفاصل الدولة، والنفوذ المتزايد لفصائل مسلحة، أبرزها «الحشد الشعبي» الذي ندّد بقرار عدم شمله في ترتيبات التصويت الخاص على غرار القوات الأمنية. قبل أقل من أسبوع على توجّه العراقيين في 10 أكتوبر الجاري إلى صناديق الاقتراع لاختيار 329 نائباً جديداً في انتخابات تشريعية مبكرة وعدت بها الحكومة لتهدئة غضب الشارع أثر الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد في أكتوبر 2019، ندّد «الحشد الشعبي» العراقي، وهو تحالف فصائل شيعية باتت منضوية في القوات الرسمية، بقرار السلطات عدم شمله في ترتيبات التصويت الخاص في الانتخابات على غرار القوات الأمنية. ويُشارك نحو مليوني عنصر من القوات الأمنية عبر «تصويت خاص» ينظم في 8 الجاري، ويدلون بأصواتهم في مراكز اقتراع خصصت لهم، إضافة إلى النازحين والمساجين. في المقابل، يفترض أن يدلي عشرات الآلاف من مقاتلي «الحشد» بأصواتهم في 10 الجاري، على غرار أي مواطن آخر في دوائرهم الانتخابية، لكن تحقيق ذلك صعب لأنهم منتشرون في كل أرجاء البلاد. وقال أحمد الأسدي أحد نواب الكتلة التابعة لـ«الحشد» في البرلمان، في بيان، أمس، «بالتأكيد سمعتم بأن إخوانكم في الحشد حُرموا من التصويت الخاص، بالتالي لا يستطيعون التصويت إلا اذا تركوا السواتر وعادوا إلى مناطقهم»، داعياً في الوقت نفسه مناصريه إلى التوجه إلى التصويت بالمئات «لنعوّض عن أصوات أبطالنا الذين سيكونون مدافعين عنا في السواتر، حتى نحقق نصرنا». «كتائب حزب الله» من جهته، اعتبر أبوعلي العسكري، الناطق باسم «كتائب حزب الله»، إحدى أكثر فصائل «الحشد» نفوذاً، أن «حرمان مجاهدي الحشد من التصويت الخاص، يعد استهدافاً لهذه الشريحة المضحية وسلباً لحقهم في اختيار من يمثلهم ويحميهم ممن يسعون لإضعاف قوتهم ومصادرة انتصاراتهم». ودعي أكثر من 25 مليون ناخب للمشاركة في الاقتراع في الانتخابات المبكرة في 10 أكتوبر التي كان يفترض عقدها في 2022، وفقاً لقانون انتخابي جديد يعتمد دوائر انتخابية متعددة والتصويت لمرشح واحد، يفترض أن يحد من هيمنة الاحزاب الكبيرة على المشهد السياسي. وتملك معظم فصائل «الحشد» تكتلاً سياسياً مشاركاً في الانتخابات التشريعية، فيما تضمّ الكتلة السياسية المرتبطة به في البرلمان الحالي 48 نائباً من أصل 329، وهم دخلوا البرلمان للمرة الأولى عام 2018 مدفوعين بالانتصارات التي تحققت ضد تنظيم «داعش». المفوضية العليا في الأثناء، أوضحت الناطقة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي، بأن «المفوضية تواصلت أكثر من مرة مع مسؤولي الحشد بغرض تزويدها بأسماء منتسبيهم، ووضعهم في سجل الناخبين الخاص وإصدار بطاقات بايومترية للتصويت الخاص»، مشيرة إلى أن «هيئة الحشد لم تزود المفوضية بأسماء منتسبيها، لذلك فإنها شملتهم بالتصويت العام». المفسوخة عقودهم في سياق متصل، ردت اللجنة العليا لإعادة المفسوخة عقودهم في «هيئة الحشد الشعبي»، أمس، على تصريحات رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، التي قال فيها، إن المطالبة باعادة 30 ألف عنصر من «الحشد» فسخت عقودهم، «هدفه تسييس للحشد واستخدامه في العملية الانتخابية». واعتبرت اللجنة أن هذه الاتهامات «لا أساس لها من الصحة». نظام مفلس وفي بلد عانى لعقود من الحروب والعنف، وتبلغ نسبة العاطلين عن العمل فيه بين الشباب 40 في المئة، وتفاقم فيه الفقر بفعل تفشي وباء «كورونا» رغم ثرواته النفطية، لا تثير الانتخابات المبكرة كثيراً من الاهتمام والحماسة بين الناخبين البالغ عددهم 25 مليوناً، فيما يتوقع المراقبون نسبة مشاركة منخفضة. وكان يفترض أن تجري الانتخابات في موعدها الطبيعي العام 2022، غير أن إجراءها كان واحداً من أبرز وعود حكومة مصطفى الكاظمي التي وصلت الى السلطة على وقع تظاهرات خريف 2019 حين نزل عشرات الآلاف من العراقيين إلى الشارع مطالبين بإسقاط النظام. ويرى الباحث في مركز «تشاتام هاوس» ريناد منصور أن «النظام السياسي شبه مفلس اقتصادياً وإيديولوجياً». ويقول: «هذا النظام غير قادر على توفير الوظائف والخدمات العامة، وغير قادر على إقناع العراقيين بأنه مؤيد للإصلاح ومحاربة الفساد». من يخلف الكاظمي؟ ويبقى التحدي الأكبر بعد الانتخابات هو تسمية رئيس للوزراء في عملية ستكون خاضعة لمفاوضات معقدة، ويصعب تحديد من هم المرشحون المحتملون لهذا المنصب. وفي ظلّ غياب غالبية واضحة في البرلمان، على الكتل السياسية المختلفة التوافق في ما بينها. وعلى سبيل المثال، فإن اختيار الكاظمي تمّ بعد 5 أشهر من الفراغ ومحاولتين غير مثمرتين لتسمية رئيس حكومة. ووسط هذا السياق من الإحباط العام، أعلنت أحزاب عدة وناشطون شاركوا في احتجاجات أكتوبر 2019، مقاطعة الانتخابات، لا سيما بسبب الاغتيالات التي طالت ناشطين والسلاح المتفلت. واتهمت هذه التيارات الفصائل المسلحة الموالية لإيران بقمع الانتفاضة، ما خلّف ما يقرب من 600 قتيل و30 ألف جريح، فيما تعرضت شخصيات بارزة في التيار الاحتجاجي للاغتيال ومحاولة الاغتيال أو الخطف. وتملك غالبية الكتل السياسية المشارِكة بالانتخابات ارتباطاً وثيقاً بفصائل مسلحة، سواء كان التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي كان زعيم فصيل مسلح، أو الفصائل العسكرية التابعة لـ«الحشد» التي شارك مرشحوها في الانتخابات البرلمانية في 2018 للمرة الاولى. ويحذّر المحلل السياسي فاضل أبو رغيف من «مخاطر انزلاق أمني داخلي بعد إعلان النتائج»، لا سيما أن بعض «الكيانات السياسية بالغت بإظهار حجمها في الآونة الأخيرة»، في إشارة إلى خطابات بعض الأحزاب التي ترى نفسها أنها ستكون في الطليعة. وأضاف: «النتائج قد تكون صادمة، وهذا لا يتلاءم مع تطلعات» تلك التيارات «وقد يدفعها إلى معارضة النتائج إلى حدّ» التنازع. الانسحاب الاميركي بعيداً عن العوامل المحلية، هناك توترات اقليمية تهدد بدفع العراق من جديد نحو العنف، في حال نشوب أي توتر بين حليفتيه إيران والولايات المتحدة. وأعلنت واشنطن بأن «المهمة القتالية» لجنودها المتمركزين في العراق في إطار التحالف الدولي لمكافحة الارهابيين، ستنتهي بحلول نهاية العام، لكن لم يتم الإعلان حتى الآن عن انسحاب كامل للجنود الأميركيين البالغ عددهم 2500 جندي والذين يفترض أن يتحول دورهم إلى تدريب القوات العراقية وتبادل المعلومات. ويشكل الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من العراق المطلب الأساسي للفصائل الموالية لإيران، وسط مواصلة استهداف المصالح الأميركية في العراق بهجمات صاروخية أو بطائرات من دون طيار. إلى ذلك، أكد الرئيس العراقي، برهم صالح، عقب زيارته للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وعقده اجتماعا مع رئيس وأعضاء مجلس المفوضية، ورئيسة بعثة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت، أن إجراءات المفوضية والأجهزة الأمنية «استثنائية» لمنع تزوير الانتخابات، مشدداً «على ضرورة توفير البيئة المناسبة لصيانة إرادة العراقيين في تقرير مستقبلهم بأنفسهم من دون وصاية أو تدخل».
مشاركة :