في خطوة قد تشكّل منعطفًا في مسار حل الأزمة السورية و«انتصارًا للدبلوماسية»، كما وصفتها كل من طهران وأميركا بعد الاتفاق النووي بين الدولتين، ستكون طهران حاضرًا أساسيًا على طاولة المحادثات الدولية التي تعقد في فيينا اليوم وغدًا. وبينما لاقت الدعوة ترحيبًا من دول عدّة، وأكدت أخرى أن البحث سيرتكز على رحيل الأسد، نبّهت المعارضة السورية من أن المشاركة الإيرانية ستؤدي إلى إفشال أي محاولة للحل السياسي. وستنضم إيران، المدعوة من الولايات المتحدة، عبر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى وزراء الخارجية الروسي والأميركي والسعودي والتركي وأيضا اللبناني جبران باسيل والمصري سامح شكري ووكيل وزارة الخارجية لشؤون العلاقات الثنائية العراقية نزار الخير الله، كذلك سيحضر إلى فيينا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني. وأعلنت الناطقة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم أمس، كما نقل عنها التلفزيون الإيراني الرسمي: «لقد تسلمنا الدعوة وتقرر أن وزير الخارجية سيشارك في المحادثات». ونقلت وكالة أنباء «الطلبة» عن أفخم، قولها إن نواب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وعباس عراقجي، ومجيد تخت، روانجي سيرافقون ظريف إلى فيينا. من جهتها، قالت وكالة «فارس» للأنباء إن ظريف ناقش المشاركة الإيرانية في المحادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هاتفيًا الثلاثاء. وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مستهل محادثاته مع زئيب الكين وزير شؤون القدس في الحكومة الإسرائيلية، إلى «أن موسكو تبذل جهودًا نشطة من أجل إشراك جميع اللاعبين الخارجيين في تسوية الأزمة السورية»، لافتًا إلى «تحقيق حركة معينة إلى الأمام خلال المحادثات». وكانت روسيا قد طلبت توسيع المشاركة في المحادثات لتشمل مصر، وإيران الحليف الإقليمي الأقرب للرئيس السوري بشار الأسد. ونقلت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية الرسمية عن المتحدث باسم الخارجية أحمد أبو زيد، قوله إن شكري سيتوجه من العاصمة الهندية نيودلهي إلى فيينا، مساء الخميس، لحضور المحادثات. وأحدث القرار المصري بالمشاركة في المحادثات مؤشرًا على التقارب الواضح في العلاقات بين مصر وروسيا. وجاء قرار مصر بالمشاركة في المحادثات بعد زيارة أجراها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للقاهرة يوم الأحد الماضي. وسيسبق محادثات الجمعة الموسعة اجتماع رباعي، مساء اليوم (الخميس)، بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظرائه الأميركي والسعودي والتركي جون كيري وعادل الجبير وفريدون سينيرلي أوغلو، بحسب مصدر دبلوماسي روسي. وعقد أول لقاء رباعي أميركي روسي تركي وسعودي يوم الجمعة الماضي، في قصر في فيينا لبحث آفاق تسوية النزاع في سوريا الذي أسفر عن سقوط أكثر من 250 ألف قتيل منذ 2011. ولم تشارك إيران مطلقًا في أي محادثات دولية حول تسوية الأزمة السورية كما لفتت الدبلوماسية الإيرانية. ففي عام 2012 لم تشارك إيران في مؤتمر جنيف - 1 حول سوريا، ودعوتها للمشاركة في محادثات جنيف - 2 في عام 2014 عاد وسحبها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على إثر اعتراض الولايات المتحدة والسعودية كما ذكرت المتحدثة الإيرانية. وتختلف إيران وروسيا الداعمتان في مواقفهما بشأن سوريا، مع دول أوروبية وعربية أخرى، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، أو ما تعرف بـ«أصدقاء سوريا»، وقد أعلنت طهران رسميًا عن مقتل خمسة عشر إيرانيا في سوريا منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول). وشددت روسيا من جهتها منذ بدء النزاع في سوريا في 2011 على مشاركة إيران. لكن الولايات المتحدة رفضت بحزم مشاركة طهران قبل أن تبدأ الثلاثاء تليين موقفها بشكل مفاجئ. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد صرح: «نأمل أن تتم دعوة إيران للمشاركة»، مشيرًا إلى سيناريو سيشكل منعطفًا دبلوماسيًا هامًا في تسوية النزاع السوري. ودعوة إيران تعتبر «إلى حد ما نجاحًا للدبلوماسية الروسية»، كما قال ألكسندر باونوف، المحلل في مركز كارنيغي للأبحاث في موسكو، وما أكده المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية سامي نادر، مذكرًا بما سبق أن أعلنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ومن ثم الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد الاتفاق النووي، عندما تحدثا عن «انتصار الدبلوماسية»، متسائلاً: «اليوم هذه الدبلوماسية أمام المحك، فهل ستنتصر فعلاً في سوريا، وهل سيتوصّل اللاعبون الأساسيون إلى حلّ مقبول من الجميع؟». وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا شكّ بضرورة حضور وإشراك إيران في أي تسوية، لكن الأهم هو ما إذا كان هذا الدخول سيكون من أجل المواربة أو البحث بجدية في حلّ سياسي، علمًا أنّ الموضوع بات واضحًا ولا يمكن لهذه التسوية أن تقرّ في ظل استمرار الأسد في السلطة». وأوضح نادر، أنّ سوريا والمباحثات حولها هي اليوم أمام ثلاثة سيناريوهات، هي، إما استمرار الحرب وبالتالي تعميق الخلاف وتكريس تقاسم النفوذ، أو الذهاب إلى سوريا مقسمة بموافقة الجميع، أو الوصول إلى إعادة تركيز الكيان السوري ومرتكزات الدولة. واعتبر أنّه يبدو أنّ الحل السوري يأخذ للمرة الأولى هذا المنحى الإيجابي، الأمر الذي يرتبط بشكل كبير بموقف روسيا وكذلك إيران اللذين يتسابقان مع الوقت في ظل انغماسهما في الحرب السورية، موضحًا أن «موسكو أصبحت بحاجة إلى تسوية في أقرب وقت ممكن، ودعوتها للأسد الأسبوع الماضي، تؤكد هذا الأمر، وهي تحاول تفادي المزيد من الخسائر العسكرية والاقتصادية والسياسية». وأضاف: «عندما يدخل الكبار في الحرب تصبح المعركة مكلفة وأي انزلاق سيؤدي إلى المواجهة». من جهته، قال ألكسندر باونوف «الولايات المتحدة أبدت في نهاية المطاف تعقلاً ومقاربة واقعية للوضع. وهي ترى أن استراتيجيتها في سوريا لم تتكلل بالنجاح وأنها لم تنجح في قلب النظام من دون إراقة دماء». في المقابل، ترى المعارضة السورية أن دعوة إيران ستؤدي إلى إفشال الحل السياسي، وهو ما عبّر عنه نائب رئيس الائتلاف هشام مروة، لـ«وكالة «رويترز»»: «إيران لا تعترف ببيان جنيف. ومشاركتها في المحادثات تقوض العملية السياسية». ويشير بيان جنيف إلى وثيقة متفق عليها دوليًا تضع الخطوط العريضة لمسار السلام والانتقال السياسي في سوريا. من جانبه، رأى عضو الهيئة السياسية فايز سارة، أن «إشراك إيران في بداية المحادثات السياسية له أثر سلبي، وسيؤدي إلى تقويض العملية السياسية، خصوصًا أن قادة الحرس الثوري الإيراني يقودون المعارك منذ عام 2012 ضد الجيش السوري الحرّ لمنع سقوط نظام الأسد». كذلك، أكد عضو الهيئة السياسية في الائتلاف موفق نيربية، «على وجوب موافقة إيران على بيان جنيف، وقرارات مجلس الأمن، ووقف عدوانها وسحب جميع قواتها وميليشياتها التي تقاتل إلى جانب نظام الأسد قبل إشراكها في أي عملية سياسية حول سوريا». وفي يناير (كانون الثاني) 2014 رفض ائتلاف المعارضة حضور محادثات سياسية في سويسرا ما لم تسحب الأمم المتحدة دعوتها لإيران.
مشاركة :