ديربان (جنوب أفريقيا) - انظر إلى محطات الطاقة الضخمة التي تعمل بالفحم منتشرة في سهول مقاطعة مبومالانجا لتفهم لماذا تُصنّف جنوب أفريقيا أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في القارة. توجد في مبومالانجا ثمانية مصانع تعمل بالفحم ضمن دائرة نصف قطرها 100 كيلومتر. وأظهرت الأبحاث الحديثة أنها كانت ثاني أكبر نقطة ساخنة لانبعاثات ثاني أكسيد الكبريت في العالم. ووثق دعاة حماية البيئة الآلاف من حالات الأمراض المرتبطة بالتلوث. ولكن مع سعي الاقتصاد رقم 2 في أفريقيا إلى كسر اعتماده شبه الكامل على الفحم، يقول خبراء المناخ إن مبومالانجا يمكن أن تكون بمثابة حالة اختبار للدول النامية التي تسعى لخفض الانبعاثات مع إفادة شعوبها أيضا بـ”الانتقال العادل”. وقال غايلور مونتماسون كلير كبير الاقتصاديين في استراتيجيات التجارة والسياسة الصناعية، وهي مؤسسة فكرية اقتصادية مقرها بريتوريا، إن “مقاطعة مبومالانجا هي واحدة من أكثر المناطق شهرة في عالم المناخ في الوقت الحالي”. وتابع مونتماسون كلير قائلا، “جنوب أفريقيا هي واحدة من أوائل دول العالم في الجنوب التي تمر بهذا التحول… إذا نجحت فسيظهر هذا للعالم أنه يمكن القيام بذلك”. ومع تصاعد الضغوط العالمية من أجل اتخاذ إجراء قبل محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في نوفمبر، من المقرر أن يصل وفد من الدول الغنية إلى جنوب أفريقيا هذا الأسبوع لمناقشة سبل مساعدة الحكومة على الابتعاد عن الفحم الأكثر تلويثا. وتستخدم الدولة الأفريقية الأكثر تصنيعا الفحم للحصول على أكثر من 80 في المئة من طاقتها، مما يجعلها واحدة من أكبر 20 مصدرا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. خبراء المناخ يقولون إن مبومالانجا يمكن أن تكون بمثابة حالة اختبار للدول النامية التي تسعى لخفض الانبعاثات وقال الخبراء إن التحول إلى طاقة أنظف مثل الرياح والطاقة الشمسية يمكن أن يساعد في مواصلة الحصول على الكهرباء ومحاربة الاحتباس الحراري مع معالجة البطالة في مناطق الفحم مثل مبومالانجا، حيث تتهدد البطالة ما يقرب من نصف السكان. لكن تُعتبر سياسات خلق الوظائف ومساعدة عمال المناجم على إعادة التدريب سياسات ناجعة من شأنها أن تؤدي إلى نجاح جهود البلدان في محاولات التخلي عن الفحم. وقال سيزوي باملا -وهو المتحدث باسم اتحاد القطاع العام التابع للاتحاد العام لنقابات العمال في جنوب أفريقيا- “نحن نقدر أن تغير المناخ يمثل مشكلة، لكن الناس يموتون من الجوع اليوم. لا نريد أن نحكم على المزيد بعقوبة الإعدام من خلال فقدان الوظائف. نحن نتفهم أن التغيير سيحدث، إنه ضروري، لكن يجب إدارة التغيير. سيستغرق الانتقال العادل وقتا وسياسات وتخطيطا مناسبا”. قبل عشر سنوات أطلقت دولة جنوب أفريقيا برنامج مشتريات للطاقة المتجددة من إنتاج منتجي الطاقة المستقلين، والذي يهدف إلى تعزيز المجتمعات القريبة من المشاريع. وقال باحثو المناخ إن المبادرة يمكن أن تكون بمثابة مخطط أولي لـ”انتقال عادل” أوسع على الرغم من بعض الإخفاقات الإدارية. واعتمد مجلس الوزراء في جنوب أفريقيا هدفا أكثر طموحا لخفض الانبعاثات لسنة 2030 من أجل مواءمة التزامات خفض الكربون بشكل أوثق مع اتفاقية باريس. استخدام جميع أنواع الوقود الأحفوري يجب أن يتوقف بسرعة استخدام جميع أنواع الوقود الأحفوري يجب أن يتوقف بسرعة وقال الخبراء إنه سيتعين على الحكومة أن تراجع خطتها الحالية للطاقة وأن تزيل بعض مشاريع الفحم والغاز الجديدة للوصول إلى هدفها الجديد. وقدمت إيسكوم (المزود الحكومي للطاقة) عرضا بقيمة 10 مليارات دولار للمقرضين العالميين من أجل تعزيز جهود إغلاق غالبية مصانعها التي تعمل بالفحم بحلول سنة 2050 والاعتماد على الطاقة النظيفة. وقال مونتماسون كلير “لن يكون الأمر سهلا، لكن إيسكوم تحوّلت 180 درجة في الاتجاه الصحيح”. وعلى الرغم مما يثيره خبراء المناخ بشأن زوال الفحم فإن خطط الحكومة لإضافة أنواع أخرى من الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي في السنوات المقبلة لتخفيف الانتقال تحتاج أيضا إلى إعادة التفكير، كما يقول علماء البيئة. وقال جيسي بيرتون -أحد كبار المساعدين في إي 3 جي، وهي مؤسسة بحثية أوروبية تعنى بتغير المناخ- “لا يشكك أحد في حقيقة أن هناك دورا للغاز على المدى القصير… هل ستتمكن من إغلاق الباب بمجرد أن تفتحه؟ إنها مخاطرة”. ويقول العلماء إن استخدام جميع أنواع الوقود الأحفوري يجب أن يتوقف بسرعة لمنع تغير المناخ الجامح. وفي مبومالانجا قال الناشط البيئي غيفن زولو، إن “التخلص التدريجي من الفحم سيُنجز إذا تم بالتشاور السليم مع المجتمع”. وأضاف زولو “الأشخاص الذين يعتمدون على الفحم في الوظائف هم أيضا أولئك الذين تضررت صحتهم وسلامتهم بسبب صناعة الفحم… هم من يحتاجون إلى البقاء مع تحول البلاد نحو الطاقة الخضراء”. وقال مونتماسون كلير إن تعلم الدروس من المبادرات المناخية السابقة في جنوب أفريقيا وخارجها سيكون أمرا حيويا في تتبع مسار يخفض الانبعاثات ويفيد الاقتصاد المحلي، “السؤال ليس ما إذا كانت جنوب أفريقيا ستنتقل إلى مرحلة ما بعد الفحم أم لا؟ فهذا جزء من اتجاه عالمي مدفوع بديناميات أكبر. السؤال هو: هل سيكون الأمر عادلا أم غير عادل؟”.
مشاركة :