التقارب السعودي الروسي يثير مخاوف أميركا

  • 10/29/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إذا صحت توقعات الكرملين عن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى روسيا قبل نهاية العام الحالي، تلبية لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين التي وجهها للملك خلال لقائه ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان في بطرسبورج يونيو الماضي، فإنها ستكون خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، تتوافق وتتكامل مع سياسة الانفتاح التي انتهجتها الرياض في العهد الجديد، لتحقيق سلام المنطقة والعالم. أضف إلى ذلك أن الزيارة حال حدوثها ستكون بمثابة أهم تحول في القوة للعام الحالي، وليس الاتفاق النووي مع إيران، لأنها ستغير نمط العلاقات الدولية والإقليمية التي سادت منذ عام 1972، والتحديد الزمني هنا يحسب لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، في مقاله "الوثيقة" الذي نشرته وول ستريت جورنال، وترجمته "الوطن" قبل أيام. وكان وزير خارجية أميركا الأشهر في مرحلة الحرب الباردة أكد أن عودة روسيا إلى ضفاف المتوسط تشكل انقلابا جذريا على الأحداث التي شهدها شخصيا، قبل 43 عاما، وانتهت بخروج الاتحاد السوفييتي، وسيطرة إدارته الكاملة على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط. تحولات القوة وناشد كيسنجر صناع القرار في أميركا أن لا يتخلوا عن الدول السنية في المنطقة، وأن لا يركنوا إلى إيران، وأن يدعموا مصر والسعودية والأردن، وأن يقبلوا بهزيمة داعش على أيدي طرف غير سني. والأهم من ذلك التركيز على أن يحكم العراق والشام "سنة معتدلون" في المستقبل. ما الذي قصده كيسنجر ولم يصرح به أكثر من ذلك لحساسية موقفه كمسؤول أميركي أولا وأخيرا؟ وهل كان يفكر -وهو الاستراتيجي الداهية- في اقتراب التنسيق الاستراتيجي بين المملكة وروسيا على أعلى المستويات، باعتباره أحد أهم تحولات القوة في الشرق الأوسط الجديد والعالم، حيث تمثل المملكة بالنسبة لروسيا "قلب العمق الاستراتيجي" ومفتاحه في الشرق الأوسط الكبير؟ نعم، قد يكون هذا ما ينقص روسيا كقوة كبرى "عائدة بسرعة صواريخ إسكندر"، لكنها بحاجة إلى دعم أقوى، في عالم متعدد الأقطاب في الألفية الثالثة. كيسنجر استشعر بخبرته السياسية القلق الذي انتاب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا سيما بعد الاتفاق النووي مع إيران، خاصة أن السوابق التاريخية القريبة لواشنطن تثبت أن تلك الظنون ليست آثمة دائما، فقد تخلت أميركا عن حلفائها في جورجيا، وقرغيزيا وأوكرانيا، وفي سورية وغيرها، ومعظمها تم في عهد الرئيس باراك أوباما، فهل فعلا قررت واشنطن التخلي عن تحالفها مع السنة، أو المفاضلة في تحالفها بين الدول السنية وانفتاحها الجديد مع إيران الشيعية؟. التفكير في جدوى الانحياز لحليف واحد كل المؤشرات تدفع دول الشرق الأوسط إلى التفكير جديا وفورا في جدوى الانحياز لحليف واحد، ولو كان في وزن الولايات المتحدة، فقد غربلت أزمات المنطقة منذ الغزو الأميركي العراق عام 2003 وحتى التدخل العسكري الروسي في سورية عام 2015 المواقف والقناعات ودفعت إلى السطح بمسارات غير مسبوقة، ما كان لأحد أن يفكر فيها قبل سنوات قليلة. باتت المراجعة المرنة والتقييم المستمر وسرعة تبديل المواقع ضرورة ملحة، قبل أن تندفع تلك الدول إلى مزيد من التورط مع حركة المد والجزر الأميركي على شواطئ أزمات المنطقة، خاصة أن آفاق المصالح المشتركة مع روسيا تتجاوز التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي إلى المجالات الأمنية والنووية والاستراتيجية، وهي تتعدى الأزمة السورية، ومصير بشار الأسد، إلى صد التمدد الإيراني "وحزب الله"، لأن روسيا في النهاية كقوة كبرى في أوراسيا، لا تريد منافسا إقليميا نوويا على امتداد آسيا الوسطى والقوقاز وحتى سور الصين العظيم.

مشاركة :