خيانة المواطن والوطن ليست وجهة نظر

  • 10/5/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

خيانة المواطن والوطن ليست وجهة نظر لا عذر للخائن في خيانة وطنه حتى من تخون وطنك لمصلحتهم ستجدهم أكثر الناس احتقارا لك وعدم ثقة بك فمن يبيع وطنه سيبيع كل أوطان الأرض! لا مكان للخائن بين العراقيين الخيانة فكرة وجودية إنسانية ارتبطت بالفكر الفلسفي والميثولوجي للإنسان، فالحياة وفق تفسيرات البعض وجدت بفعل خياني، فلولا أن أبانا آدم لم يخن وعدَه ويأكل من التفاحة المُحرّمة لما كانت هناك حياة أصلاً. يغفل مروجو الخيانة ويستغفلون الآخرين وفق النظرة المجتزأة في التفسير ويستبعدون فكرة العقوبة الإلهية للإنسان، فالخائن لا بد أن يعاقب. في الموروث الأسطوري أيضاً ذكرت خيانة يهوذا الأسخريوطي (العسكري) ليسوع المسيح الذي وشى بمكانه للرومان وبالتالي لليهوذيين وليس لليهود مقابل ثلاثين قطعة من الفضة وفق رواية لبعض الأناجيل. الخيانات أنواع، خيانة اجتماعية، خيانة العائلة وخيانة العشيرة والقبيلة وخيانة المؤسسة الاقتصادية والسياسية التي يعمل فيها الخائن، أقساها خيانة الوطن والأمة. في التاريخ السياسي العربي وقعت خيانات كبيرة وكثيرة تحصل حينما يبيع الخائن قيمه كإنسان مقابل المال أو المنصب أكثرها رواجاً خيانة الوزير ابن العلقمي للخليفة المعتصم حين وعده هولاكو بتسليمه ولاية بغداد بعد غزوها، لكنه قام بإهانته وقتله بعد غزوه لبغداد. ما حصل بعد قرون في بغداد، كافأ الغازيان الأميركي والإيراني خونة العراق بتنصيبهم حكاماً لكن الحقائق التاريخية تقول إن أجلهم قصير. هتلر قال في مذكراته (أحقر الأشخاص الذين قابلتهم هم هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم). كذلك العبارات الرخيصة التي وصف بها بول بريمر الحاكم الأميركي للعراق (12 مايو 2003 – 28 يونيو 2004) في مذكراته “عام قضيته في العراق” حول العملاء الذين وظفّهم في مجلس الحكم الانتقالي تشكل إدانة تاريخية لحقيقة خيانتهم للوطن والمواطن. حين يسمع قادة أحزاب الحكم في العراق وصفهم بالعملاء والخونة يسخرون من قائليها، المعممون في العراق وحملة دعوات الإسلام السياسي من الأفندية، تجاوزوا وكفرّوا وخانوا أهم مبادئ الإسلام حين خرقوا أهم مبادئه وهي الأمانة والصدق وحرمة الإنسان وحقوقه على ولي الأمر. لقد حولوا في التجربة العراقية الحالية المؤلمة، الأبرياء من بسطاء الناس إلى عبيد عبر إنتاج ثقافة القطيع ليكونوا صامتين وحافظين لنظامهم السياسي. حتى مرجعيتهم التي يرفعون لها عبارات الطاعة والتقديس رياءً وكذباً تناصرهم رغم خيانتهم للأمانة حين تدعو الناس إلى تجديد الثقة فيهم عبر صناديق الاقتراع بعد أيام بدل كشف خيانتهم العظمى وعزلهم عن الحياة السياسية. فهي حين تريد، من أجل المحافظة على النظام السياسي، تعزل الحاكم مثلما فعلت عام 2018 مع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي. الخيانة ليست وجهة نظر لأنها تؤدي إلى ضحايا بمئات الألوف بل بالملايين. والتصدي للخونة واستبعادهم بعد فضحهم أحد أهم المبادئ الإنسانية، والتي تصبح واجبة قبل المطالبة بالحقوق الإنسانية الأخرى، وكما قال مارتن لوثر: قد يأتي يوم يكون فيه الصمت خيانة. حتى أولئك الأشخاص الذين اشتروا ذمة الخائن بالأموال والعقارات ومظاهر الثراء يعلمون يقينا أنه لا يستحق ثقتهم، هم يجعلونه فقط كالطعم في المصيدة يحققون من خلاله هدفا في مخططاتهم، وحين تنتهي مصلحتهم منه يرمونه والمصيدة في أقرب مزبلة للتاريخ! لسلوى العضيدان قول جميل في وصف الوطن وتعرية الخونة “رغيف الخبز اليابس الذي تأكله بكرامتك وبين أهلك وفوق ثرى وطنك ولو كنت تسمع صوت تكسره بين أسنانك، أشرف لك من مائدة فاخرة تجلس باحتقار على طرفها وكل لقمة فيها مغموسة بالمهانة والذل، لأنك تعلم يقينا أنه وإن كان سقف بيتك مشيدا من ذهب فأنت في النهاية مجرد سلعة تم شراؤها وسيتم بيعها عندما يتم الاستغناء عنها”! لم تكن فقرات دستور العراق لعام 2005 مصنوعة بصورة اعتباطية في غموض توصيف النظام السياسي والابتعاد عن حكم واضح في فقهه: لا هو ليبرالي ولا إسلامي يحكم وفق الشريعة الإسلامية، لكي يتم في ما بعد تمرير أحكام ومبادئ وسياسات الولي الفقيه الإيراني بسهولة في الحياة العراقية العامة، أهم تفصيلات غموض هوية العراق، وتراجع دور الوطن والمواطن، وعدم الوضوح التام لخيانة الفرد أو الجماعة وارتباطهم بالأجنبي. عجز قادة النظام في تسويقهم السياسي لرفض دعوة مؤتمر أربيل للتطبيع مع إسرائيل إلى الاستناد إلى وثيقة الدستور الذي لم يذكر إسرائيل وكيانها كعدو، بل إن الأعداء الخارجيين وفق توصيف هذا الدستور هو الإرهاب وداخلياً هم البعثيون ليضطر عباقرة التسويق السياسي الاستناد على قانون العقوبات الذي أصدره رئيس النظام السابق صدام حسين رقم 111 لعام 1969. الخائن في أحكام وتوصيفات الأحزاب الشيعية الحاكمة ليس من يخون الوطن العراقي إنما الذي يخون المذهب خصوصاً الولائي الإثني عشري والمقصود خيانة “النظام الإيراني المقدس”. هكذا نجد برامج تخويف القطيع الصامت الذليل بعد عمليات طويلة لتجهيله من مغامرة التأييد لموجات نقمة الجمهور العراقي المتصاعدة على نظام الحكم وتحويلها إلى تيار شعبي وثورة ضاغطة، مثلاً تدار عبر فضائيات محاججة مأجورة من قبل كتبة جهلاء أتباع للأحزاب والميليشيات الحاكمة في الدفاع عن آليات استمرار الحكم القائم عبر الانتخابات: ما هو البديل إذا ما رفضت هذه الانتخابات أو تمت مقاطعتها؟ إنه المجهول! هذا السياق الأيديولوجي يعتبر الخائن هو المتمرّد على “المقدّس” ساخراً من فرضية الخائن للوطن الذي لا اعتبار له في دستورهم “الإسلامي” الذي يشترك فيه سنّتهم الضائعون الخاسرون في قيام الخلافة، وشيعتهم الولائيون المنتظرون ظهور الغائب مقيم العدل الإلهي حيث يتمنى الوكيل استمرار غيبته لبقاء نظام حكمه أكثر فترة زمنية لظلم الشعوب واضطهادها. وفقا لذلك يتوجب على العاملين في مرافق حكومة العراق بعد غياب دولته وفق هذه الأيديولوجية الملتبسة في عقول السياسيين، نقل أموال الشعب العراقي الجائع إلى نظام طهران لأن بقاءه واستمراره القضية المقدّسة الأولى قبل سد رمق صاحب الحق الأول في ثروته، هذه الأحكام ذاتها هي التي تفرض بقاء عسكرة العراق واستمرار شحنات الكراهية والحقد لتبرير قتل الأبرياء. الفقرة المهمة في هذه اللعبة التاريخية التي نجح بها نظام ولي الفقيه في طهران في تبرير بقاء نفوذه في العراق وسوريا ولبنان واليمن دون الخوف من تبعات القانون الدولي وأعراف الأمم المتحدة في احتلال أراضي الغير، هي استخدامه الميليشيات الولائية ووكلاءه الحكام المتفننين في دعوات التوازن الدولي والحوار بدل النزاع على أرض العراق لصدّ أي محاولة شعبية عراقية تطالب العالم بمساعدته على الخلاص من هذا النفوذ القاتل. حكام إيران ببساطة يرددون دائماً وحتى في أقصى ما يمكن أن تصل إليه دعوات الخلاص من النفوذ الإيراني: انظروا لا يوجد لدينا جندي إيراني واحد محتل للعراق، رغم أنهم رددوا مراراً أكذوبة وجود ضحايا إيرانيين قاتلوا داعش في العراق . لا عذر للخائن في خيانة وطنه، حتى من تخون وطنك لمصلحتهم، ستجدهم أكثر الناس احتقارا لك وعدم ثقة بك فمن يبيع وطنه سيبيع كل أوطان الأرض! رغم ضخامة قائمة خونة العراق وتوالدهم بأشكال متجددة عبر تجديد دورة الانتخابات وتوالدها، في تقديري المهمة الرئيسية في مرحلة ما بعد هذه الانتخابات لثوار أكتوبر ومسانديهم داخل العراق وخارجه تبنّي شعارات فضح الخونة والمرتزقة وكشف أوراقهم، فما زالت في ضمائر العراقيين من الجيل الحالي قيم الوطن والوطنية وحب العراق حيّة. الخوف من تلاشيها لا سمح الله في الجيل المقبل بعد إحلال مفاهيم التجهيل ومسح التاريخ العراقي، إنهم يطالبون بالتخلّي عن المواطنة والوطن وتلك خيانة تاريخية لقيم الإنسان والعائلة والعشيرة العراقية، لذلك جدير بها أن تصبح شعاراً شعبياً للمرحلة إلى جانب دعوات ترحيل النفوذ الإيراني من العراق. د. ماجد السامرائي كاتب عراقي

مشاركة :