أدوات السودان المحدودة لتفكيك تركة الديون الثقيلة. الخرطوم – تراقب الأوساط الاقتصادية السودانية مدى قدرة الحكومة الانتقالية على التحرك في هوامش تبدو ضيقة للتخلص من عبء الدين العام الجاثم على الدولة منذ عقود إذا لم توسع نظرتها للبحث عن مصادر تمويل لا تزال بعيدة عن أعين الرقابة. وتبقى فرضيات إنعاش الاقتصاد قائمة رغم كل الظروف، ولكن في حال أحسنت السلطات التعامل مع مشكلة التهريب والسوق السوداء وأيضا مكافحة الفساد مع التركيز كذلك على قطاع التعدين الاستراتيجي لتحصيل إيرادات أكبر يمكن من خلالها الإيفاء بالتزامات سداد الديون القديمة. وبعد مفاوضات ماراثونية مع الدائنين تحصلت الحكومة مؤخرا على الموافقة من أجل إعادة هيكلة الديون الخارجية لفترة تمتد إلى 16 عاما قادمة مع فترة سماح لست سنوات لضعف قدرة البلاد على السداد. وأكدت وزارة المالية في منشور عبر منصة الناطق باسم الحكومة السودانية حمزة بلول على فيسبوك الأسبوع الماضي، تمكنها من إعادة جزء من الدين العام. وقالت إن “السودان لن يقوم بسداد أي مدفوعات فائدة إضافية خلال فترة الوصول إلى نقطة الإكمال (فترة السماح) لضعف قدرته على السداد”. ولا تملك الخرطوم أي موارد مالية أخرى تقود إلى توفير سيولة لسداد أقساط القروض التي ستسحق بعد 6 سنوات، خاصة وأن اقتصاد البلاد تضرر بشدة خلال فترة تزيد عن 20 عاما من العقوبات. وأوقفت الديون الخارجية عجلة التنمية بالبلاد إبان إغلاق الصناديق الدولية المانحة أبوابها عقب تراكمها وعدم القدرة على السداد بما تسبب في عدم منح البلاد أي قروض أو منح، والاكتفاء بالمساعدات الفنية. وتبلغ الديون المستحقة على السودان 60 مليار دولار. وفي أواخر يونيو الماضي، انضم البلد إلى مبادرة صندوق النقد الدولي لتخفيف ديون الدول الفقيرة “هيبيك”، ما سمح بإعفائه من 23.5 مليار دولار مستحقة لدول نادي باريس. وبدأت الديون في التضخم منذ سبعينات القرن الماضي بعد أن لجأت الحكومات المتعاقبة إلى الاقتراض من الصناديق الدولية والدول المتقدمة لسد العجز الدائم في الإيرادات العامة. ويتوقع المسؤولون السودانيون إعفاء بلدهم من ديون إجمالية قيمتها 50 مليار دولار مع انضمام دائنين من خارج نادي باريس للمبادرة أبرزهم الكويت والسعودية والإمارات. وحتى الآن، لم تتوصل وزارة المالية لاتفاق حول شروط الدائنين الثنائيين من خارج نادي باريس سواء كانوا دولا أو مقرضين تجاريين بشأن تخفيف الديون. ويقول عضو البرنامج الإسعافي للحكومة شوقي عبدالعظيم إن الديون التي تمت جدولتها هي للصناديق والدول خارج نادي باريس، وفي مقدمتها الصناديق العربية وعدد من الدول من بينها الصين. وكشف أن الكويت من أكبر الدول الدائنة بواقع 18 في المئة من إجمالي الديون لتمويلها مشروع سد مروي للإنتاج الكهربائي شمال البلاد، إضافة إلى القروض التي منحتها لحكومة نظام عمر البشير لتمويل عدد من المشروعات. وتقدر ديون الصين بملياري دولار، وهي عبارة عن حصص من النفط والتي كانت الحكومة السابقة تشتريها لتغطية الاستهلاك المحلي، بجانب قروض المحطات الكهربائية غرب البلاد وقروض لإنشاء مطار الخرطوم الجديد. ونسب إلى عبدالعظيم قوله إن “ثمة ديونا على السودان صغيرة الحجم والحكومة تسعى للحصول على إعفاء من سدادها من خلال المفاوضات الثنائية”. وأضاف “الحكومة الانتقالية ستسعى لسداد الديون حتى تتمكن من الاقتراض مجددا وإيقاف الفوائد المتراكمة”. وفي يناير الماضي أبرم السودان اتفاقا مع الولايات المتحدة للحصول على قرض تجسيري لتسوية 1.2 مليار دولار لسداد متأخرات مستحقة للبنك الدولي. ومن ضمن الأدوات المحدودة المتاحة، يشير عبدالعظيم إلى إمكانية الاعتماد على بعض الأدوات الإنتاجية ولاسيما الذهب والمعادن الأخرى في سداد الديون. ويعد قطاع التعدين من أبرز موارد السودان، ويسعى البلد إلى تنميته بهدف تعزيز إسهاماته في دفع الاقتصاد العليل من خلال برنامج طموح لإعادة هيكلته. ووفق تقديرات وزارة المعادن السودانية، يبلغ احتياطي البلاد من الذهب حوالي 1550 طنا. وتنتشر أماكن التعدين التقليدي للذهب، على سبيل المثال، في أكثر من 800 موقع بمعظم محافظات السودان الشمالية والغربية، التي يبدو أنها لم تستغل بالشكل المطوب. وبدأ السودان يجني فعليا ثمار تغيير قواعد تجارة الذهب بعد أن سمح مطلع العام الماضي للقطاع الخاص بتصديره في خطوة ترمي لتضييق الخناق على التهريب وجذب النقد الأجنبي لخزانة البلاد التي تعاني نقصا في السيولة. وأكد الصادق الحاج رئيس التخطيط والأبحاث بالشركة المملوكة للدولة لوكالة بلومبرغ في أغسطس الماضي أن الإنتاج الرسمي للذهب تضاعف تقريبا في النصف الأول من عام 2021 مع كبح السلطات للتهريب، مما يمثل نجاحا جزئيا في الجهود الرامية إلى إنقاذ الاقتصاد. وتشير الأرقام الرسمية إلى أنه تم إنتاج نحو 30.3 طن خلال الفترة من يناير إلى نهاية يونيو العام الجاري مقارنة بنحو 15.6 طن في نفس الفترة من العام السابق مع تحقيق عائدات بلغت 86 مليون دولار. ويرى الخبير الاقتصادي عبدالله الرمادي أن الإمكانيات المتوفرة بالسودان يمكنها أن تعمل على سداد الديون المتبقية في حال تم استغلالها بصورة جيدة. ورهن الرمادي في حديثه مع الأناضول استطاعة السودان على سداد الديون، من الأدوات الإنتاجية، في حال سن تشريعات وقوانين رادعة تكافح التهريب والفساد وتجنيب المال العام. واستبعد اللجوء إلى فرض ضرائب بهدف توفير أموال لسداد الديون لصعوبة التطبيق خاصة عقب سلسلة الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها الخرطوم مؤخرا. وفي يونيو الماضي وقعت الحكومة مع صندوق النقد على برنامج مراقبة اشتراطات الأخير على الحكومات وتقييمها بعد عام للحصول على تسهيلات مالية وقروض تزيد عن مليار دولار. واشترط الصندوق على الخرطوم الإقرار بحزمة من الإصلاحات الاقتصادية من أهمها رفع الدعم عن المحروقات وهو ما تم فعليا، إلى جانب الكهرباء، وتوحيد سعر الصرف في جميع المنافذ. وكانت الحكومة قد حررت جزئيا سعر صرف الجنيه، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار لأكثر من 375 جنيها من 55 جنيها السعر الرسمي قبل التعويم.
مشاركة :