تركة اقتصادية ثقيلة انفجرت بوجه حكومة إلياس الفخفاخ مع نيلها ثقة البرلمان بأغلبية ضعيفة بعد جلسة عاصفة استمرت لأكثر من 18 ساعة وتأدية أعضائها اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيد، فجبل الملفات الاقتصادية سيكون فوق الطاولة منذ اليوم الأول. الآن ستبدأ العيون شاخصة نحو حكومة الفخفاخ بعد أن أصبحت رسميا هي من تدير دفة الاقتصاد إلى جانب ملفات حارقة أخرى. ولكن يبدو أن لديها أدوات محدودة لإنعاش محركات النمو وإبعاد البلاد عن الشلل الذي أصاب التنمية خلال فترة حكم سلفه يوسف الشاهد. وهنا تقفز علامات استفهام كثيرة عن الأسلوب الذي ستتم به معالجة الأزمة المزمنة. الأدوات التي سيتعامل بها الفخفاخ لن تكون مختلفة عمن سبقوه رغم اختلاف الظروف، لأن الدافع الأساسي لوضع البلاد على سكة النمو يكمن في محددات معروفة وهي الأموال التي سيعالج بها المشكلات المزمنة، إلى جانب طريقته في مكافحة الفساد والبيروقراطية والتخلص من عبء النفقات المزمن في الموازنة. يفترض أن يكون أول تحرك للفخفاخ هو إحداث اختراق في جدار الديون والأسعار لترجمة تطلعات المواطنين لتحسين ظروفهم المعيشية، التي ما فتئت تتقهقر، مع دعم سوق العمل وكبح التضخم. الفخفاخ سيجد نفسه في مهمة صعبة للغاية، فالخزينة متضررة بسبب العجز المالي الكبير، كما أن معظم القطاعات، التي كانت الداعم رقم واحد، وفي مقدمتها الاستثمار لا تزال لم تحقق الأهداف، باستثناء السياحة التي نهضت من كبوتها لتحقق قفزات متتالية منذ 2015. ومع ذلك وفي ضوء الوضع الراهن ليس هناك ما يشير إلى أن القطاعات الحيوية الأخرى ستترك مربع الركود رغم أن عجلة إنتاج الفوسفات عادت إلى الدوران لأن الطريقة الأمثل التي يجب أن تتعامل بها الحكومة هي ترسيخ مبادئ الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنقاذ المؤسسات الحكومية المتعثرة. أغلب المؤشرات مقلقة، لذلك فإن الأمر اليوم بالنسبة للشعب لم يعد يحتمل الانتظار أكثر وأن على الحكومة الجديدة القطع مع الارتباك وغياب الجرأة في إدارة الاقتصاد كما كان مع الحكومات السابقة، والتي تتحمل مسؤولية جعل تلك الأرقام سلبية، بل وكارثية، مما كبّد البلاد خسائر فادحة. الأزمة قد تتفاقم على الأرجح إذا استمرت التجاذبات السياسية، فالعجز التجاري يتسع باطراد حيث يبلغ 19 مليار دينار (أكثر من 6 مليارات دولار) كما أن الدين العام بلغ مستويات كبيرة عند 76 مليار دينار (27 مليار دولار)، أي ما يعادل 72.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. أما سعر صرف الدينار فقد تدهور أمام العملات الأجنبية بشكل لم يسبق له مثيل منذ العام 2011 رغم أنه تعافى قليلا العام الماضي. ويبقى ملف إنعاش سوق العمل مطلبا أساسيا، ليس عبر فتح باب التوظيف في القطاع العام، الذي لم تعد طاقته تتحمل، بل بالتحفيز على المبادرات الخاصة وإعطاء دعم أكبر لرواد الأعمال الذين يبحثون عن بارقة أمل في المصارف لتمويل مشروعاتهم. سيبدأ التونسيون بتقاذف حزمة من التساؤلات التقليدية حول كيفية تحريك مؤشر البطالة إلى الوراء بعد أن ظل منذ 2013 قابعا عند 15.3 في المئة، مقارنة مع 11 في المئة عند اندلاع شرارة الفوضى. في المحصلة، تبقى فرضيات إنعاش الاقتصاد قائمة رغم كل الظروف ولكن في حال أحسن الفخفاخ التعامل بحنكة إذ ستكون فيها حكومته بين متاهة ضغوط صندوق النقد الدولي وبين لوبي قوي يضم رجال الأعمال ونقابات عمالية أقوى لا يمكن أن تتسامح مع الأخطاء.
مشاركة :