إن الإنسان الحقيقي الواقعي لا يعيش لنفسه وذاته فقط، بل لابد من تفاعله مع الآخرين، وتفهم أوضاعهم وأحوالهم، وآمالهم وأحلامهم وتطلعاتهم. إن المشاركة الفعالة مع الناس ترفع من معنوياتهم، وتخفف من وطأة المحن والصعوبات، وتزيل عنهم المعاقات والمصدات. إن الإنسان الواعي الفاهم المدرك هو الذي يجعل لحياته وحياة الآخرين معنى وقيمة وحضور، وهو الذي يعمل جاهداً لتحويل تعاسة الآخرين إلى سعادة، وأحزانهم إلى أفراح، وينتشلهم من براثن الشقاء، ودروب المتاهة والضياع. إن الإنسان الذي يتصف بصفات الإنسانية الكاملة يكون أكثر حباً وأكثر رحمة وأكثر تسامحاً وأكثر براً وإحساناً وعطاءاً، لأنه يفكر بالآخرين قبل أن يفكر بنفسه. إن الإنسان الراقي نجده يزرع بذور الرحمة والحب في كل الطرقات والأمكنة التي يمر بها ويزورها، لهذا تتحول بذوره إلى ثمار يانعة وطيبة ولها تميزها الخاص. إن الإنسانية هي أعظم ما يتصف به الإنسان، وهي مصدر السعادة والسرور والفرح والهناء. إن نقيض الحب الكراهية، ونقيض الجمال القبح، ونقيض النجاح الفشل، ونقيض المسؤولية اللامبالاة، ونقيض الوردة الشوكة، ونقيض الهدوء الصراخ والعويل. إن عدم الاكتراث بالآخرين يعني عدم الاهتمام بهم ورعايتهم والاعتناء بهم والتخلي عنهم. إن افتقاد الإنسان للقيم الإنسانية والمعاني الاعتبارية يعني تدهوراً عالياً في منظومة القيم، وسقوطاً مريعاً للمبادىء والثوابت. إن الإنسان الحي دائماً ما يستمع وينصت لتأوهات الآخرين، يفهمها ويعيها ويستوعبها، بعيداً عن الغرق بالأنانية والذاتية، والسباحة في عالم الماديات والأطماع والمصالح الضيقة. إن الإنسان الحكيم هو من يبهر الآخرين بأعماله النبيلة، وعطاءاته المميزة، وتفاعلاته المغايرة. إن الإنسان الذي تسكن روحه الإنسانية هو الذي يستوعب معاني الحب والرحمة والتسامح والإيثار ويعمل بها، وهو الذي يزرع الورد في كل مكان، ويزيل من على الطرقات كل أنواع الشوك والضرر. لقد خلق الله البشرية كلها لكي تتعارف وتتعاون وتتآلف وتتساند وتشد أزر بعضها البعض، بعيداً عن التوحد والأنانية والنفور والعيش بتفرد في مساحة ضيقة.
مشاركة :