تمثّل المَعارض الدولية تظاهرات ثقافية وتجارية كبرى تنظم في أكبر مدن العالم، وذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر. إنها مناسبة تُظهر فيها المدن والبلدان للعالم برمته إنجازاتها ولكنها فرصة أيضاً لتمرير رسائل تتعلق بسياستها والتزاماتها. ومن جانبها، تسعى البلدان المشاركة في المعارض أيضاً لإظهار نفسها في أبهى حلة. وأقيم أول معرض دولي في لندن عام 1851، متبوعاً بباريس عام 1855، ثم لندن من جديد عام 1862، ثم باريس من جديد عام 1867... في الواقع، كل المعارض الدولية كانت تُنظم في أوروبا وأميركا الشمالية، في ما عدا مرتين: أوساكا عام 1970 وشنغهاي عام 2010. وبالتالي، فإن المعرض الدولي الذي افتُتح مؤخراً في دبي يمثّل حدثاً جديداً بالغ الأهمية: ذلك أنه لم يسبق أبدا أن أقيم في بلد عربي أو مسلم، كما لم يسبق أبدا أن أقيم في بلد لم يكن موجوداً قبل الحرب العالمية الثانية أو قبل فترة إنهاء الاستعمار. ولهذا، فإن الأمر يتعلق بإنجاز دبلوماسي مهم للغاية بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، ونجاح حقيقي يعكس مكانة البلد وحظوته في العالم. المعرض الدولي يمنح المدينة المضيفة فرصة أن تكون تحت أضواء العالم وأنظاره بنفس القدر الذي تتيحه استضافة الألعاب الأولمبية. غير أنه لئن كانت لا الألعاب الأولمبية الصيفية التي نُظمت في طوكيو في صيف 2021 ولا الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستُنظم في فبراير 2022 ستكون مفتوحة في وجه الجمهور، فإن معرض إكسبو 2020 دبي يمثّل إذن أول لقاء عالمي كبير في مرحلة ما بعد كوفيدـ 19. ذلك أن أكثر من 190 بلداً يشارك في هذا المعرض، أي كل البلدان الموجودة في العالم تقريبا (الأمم المتحدة تضم 193 بلدا). ويتعين على الزوار أن يكونوا مُطعمين من أجل الدخول إليه. ومن المرتقب أن يزور إكسبو 2020، الذي يقام على مدى ستة أشهر، ما لا يقل عن 25 مليون زائر من أجل اكتشاف ما يزخر به من أجنحة دولية مختلفة. ولا شك أن الموقع المركزي لدبي، وجودة البنية التحتية الفندقية، وجودة الشركات الجوية التي تسمح بنقل الأشخاص الراغبين في القدوم في ظروف مريحة... كلها عوامل ستساعد على تحقيق هذا الهدف. وقد كانت دبي واحدة من أولى الوجهات التي أعادت فتح أبوابها في وجه السياحة بعد أزمة كوفيدـ 19. والمعرض الدولي يقوّي سمعة وجهة سياحية آمنة وجذابة في الوقت نفسه. وفي عالم مترابط، يهدف مشروع إكسبو 2020 إلى جلب رؤية متجددة للتقدم والتطور. وتسعى دبي، الحريصة على التخطيط لمرحلة ما بعد النفط والتحضير لها، إلى أن تكون في الريادة في مواجهة الاحتباس الحراري. وفي هذا الإطار، نُصبت في مدخل كل واحدة من المناطق الثلاث التي اتخذت تيمة معينة ثلاث بوابات يبلغ ارتفاعها واحدا وعشرين متراً ومستوحاة من المشربية. وغطي جناح «تيرا»، المخصص للاستدامة، بـ1055 لوحاً شمسياً وتحيط به 18 شجرة شمسية، ما يتيح له تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة. كل البلدان المشاركة في المعرض أطلقت العنان لخيالها وتنافست على إنجاز أجنحة وطنية تتسم بالتميز والإبداع وقادرة على جذب انتباه الزائر وإثارة اهتمامه. ولا شك أن هذا الأخير سيجد نفسه حائراً في الاختيار بين نقاط الجذب العديدة التي يضمها المعرض بين جنباته. وكون هذا المعرض الدولي استطاع أن ينظم ويعرف توافد جمهور بهذه الكثافة هي رسالة أمل رائعة في عالم ما زال متأثراً بوباء كوفيدـ 19 ولم يتعافَ منه بعد بشكل كامل. إنها رسالة تفاؤل لإثبات أن العالم يستطيع استئناف حركته، ولكن أيضاً أنه يجب أن يكون واعياً بالاستحقاقات المقبلة وخاصة ما يتعلق بالاحتباس الحراري. ولهذا، هناك تفكير حقيقي في الاستدامة، التي تمثّل توازناً يجب إيجاده بين الترابط، وتنقل متزايد ينبغي أن يكون محترماً للبيئة. وخلاصة القول إن معرض إكسبو دبي 2020 الدولي مشروع تاريخي ذا بعد عالمي.
مشاركة :