«تكية الدراويش» نزهة الأرواح

  • 10/30/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تستدعي أطلال ما تبقى من تكايا الدراويش إلى الذاكرة الشعبية في مصر، تلك الصورة الذهنية الخاطئة، عن فقراء مهمشين متعطلين عن العمل، لا يجدون قوت يومهم، وهم يقبلون على ما تقدمه تلك التكايا من مختلف ألوان الطعام، يأكلونها في نهمٍ، قبل أن يغطوا في نوم عميق، وهي صورة كرستها لعقود طويلة العشرات من الأفلام السينمائية، وبعض الروايات لمشاهير الكتاب، رغم أن حقائق التاريخ تنكر ذلك بوضوح، فكانت هذه التكايا التي انتشرت في العديد من أحياء مصر المملوكية والفاطمية على حد سواء، تمثل نموذجاً فريداً من نماذج الثقافة الاجتماعية، التي سادت في مصر لعقود، باعتبارها مراكزاً للإشعاع الروحي والفكري والفني. وتعد التكية المولوية الكائنة في حي الصليبة بمنطقة القلعة الأثرية، واحدة من أبرز هذه التكايا، التي انتشرت في مصر خلال فترة الحكم المملوكي، إذ تضم في بنائها الذي تصل مساحته إلى 7500 متر مربع، مسجداً ومدرسة، فضلاً عن قاعات للعبادة والذكر، جنباً إلى جنب مع قاعة السمع خانة التي يعدها الآثاريون تحفة معمارية فريدة بطابعها المعماري المتميز وزخارفها الأصلية. وتعرف التكية المولوية بين العامة في مصر باسم تكية الدراويش، ويرجع تاريخ بنائها إلى الأمير شمس الدين سنقر السعدي، الذي جمع في بنائها بين الطراز المملوكي للعمارة، وطرز الفنون العثمانية التي اهتمت بالزخارف والحلي، وهو ما يفسر بروز دور التكية مع نهاية زمن الدولة العثمانية، الذي شهد انتشاراً واسعاً لموجات التصوف، واستخدام التكايا في حلقات الذكر، وسماع الإنشاد الصوفي، على ما يتضمنه من مدائح وأناشيد وأدعية. وتضم التكية المولوية مسرحاً، أو ما يعرف بقاعة السمع خانة، التي تتكون من 19 حجرة، وفقاً لعدد حروف البسملة حسب الأعراف الصوفية، ويقال إنها استخدمت كقاعة للذكر بعد أن أسسها الدراويش المولوية، الذين ينتسبون إلى الشاعر جلال الدين الرومي الذي يعد أكبر شعراء الصوفية، وهو ما يفسر وجود نسخة خطية نادرة بين مقتنياتها لديوانه المثنوي. وينظر كثير من الباحثين في شؤون التراث إلى التكية المولوية في مصر، باعتبارها أول مسرح عربي، تنظم فيه الاحتفالات الدينية والموسيقية، وتتكون التكية من أربعة أقسام، هي الحجرات السكنية التي يبلغ عددها 19 حجرة، تحيط بها حديقة بنافورة في الوسط، ثم منطقة الإنشاد الديني والرقص الدوراني المولوي والسمع خانة، ثم منطقة المطعم أو المطبخ، إذ تصاحب حلقات الذكر دائماً تقديم الأطعمة للمشاركين، وتعلو مسرح الدراويش قبة محملة على 12 عموداً خشبياً، ويخرج من هذه القبة 8 شبابيك صغيرة، يقال إنها ترمز لأبواب الجنة. وتتميز قبة التكية المولوية بزخارفها ونقوشها الزاهية، التي استخدمت فيها زخارف الباروك التركي، إلى جانب مناظر للطيور التي تمثل الأرواح الهائمة في العرف الصوفي. وللتكية صحن مكشوف يحيط به رواق ينفتح على حجرات الدراويش، وفي الطابق الثاني توجد أماكن مخصصة للنساء بعيداً عن أمكنة الرجال، الأمر الذي كان يعطي خصوصية للزائرين من النساء، كما كان متبعاً في بيوت العصر الفاطمي. وتعرضت أجزاء من التكية المولوية للتصدع بسبب مشاكل والمياه الجوفية التي تعانيها منطقة الصليبية، وقد خضعت لعملية ترميم واسعة مؤخراً روعي فيها الحفاظ على طابعها المعماري، وتطوير ملحقاتها، وتخصيص جزء منها لإقامة المتحف المولوي الذي خصص لعرض الصور الفوتوغرافية والوثائق خاصة بالطريقة المولوية.

مشاركة :