أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله في السر والعلن. وقال فضيلته: “إن الطريقَ إلى الله تعالى في الحقيقة واحدٌ لا تعدّدَ فيه، وهو صراطه المستقيم الذي نصبَه موصِلاً لمن سلكه إليه وإلى رضوانِه وجنّاته، كما قال سبحانه: “وَأَنَّ هَ?ذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَ?لِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ””. وأشار الشيخ خياط الى أن الله سبحانه وتعالى وحّد سبيلَه لأنّه في نفسه واحدٌ لا تعدّدَ فيه، وجمع السّبل المخالفةَ له لأنّها كثيرة متعدِّدة، فالطّريق إلى الله واحد؛ لأنّه سبحانه الحقّ المبين، والحقّ واحد مرجعُه إلى واحد، وأمّا الضّلال فلا ينحصِر؛ ومِن هنا يُعلَم أن الشرائع مع تنوعها واختلافها ترجع كلها إلى دينٍ واحد، مع وحدَة المعبودِ ووحدةِ دينِه. وأضاف: أن من النّاس من يكون العلم والتّعليمُ سيِّد عملِه وطريقه إلى الله، قد وفّر عليه زمانَه مبتغيًا به وجهَ الله، فلا يزال كذلك عاكفًا على طريق العلم والتعليم عامِلاً بما علِم حتى يصِل من تلك الطريق إلى الله، أو يموت في طريق طلبِه، فيرجَى له الوصول إلى مطلبِه بعد مماته كما قال سبحانه: “وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـ?جِرًا إِلَى؟للَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ؟لْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ؟للَّهِ “، ومِن النّاس من يكون الذّكر وتلاوةُ القرآن سيّدَ عمله، الغالبَ على أوقاتِه، قد جعله زادَه لمعادِه ورأسَ ماله لمآله، فمتى فتر عنه أو قصّر رأى أنّه قد غُبِن وخسِر، ومنهم من يكون سيّد عمله الصلاة، فمتى قصّر في وردٍ منها أو مضى عليه وقتٌ وهو غير مشغولٍ بها أو مستعدّ لها أظلم عليه قلبه وضاق صدره، ومنهم النّاس من يكون طريقه الإحسانَ والنفع المتعدّي، كقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثةِ اللّهفان وأنواع الصّدقات، قد فتِح له في هذا وسلك منه طريقَه إلى ربّه، ومنهم النّاس من يكون طريقه الصومَ، فهو متى أفطر تغيّر قلبه وساءت حاله، ومنهم من يكون طريقه الذي نفَذ منه الحجَّ والاعتمار، ومنهم الجامعُ لتلك المنافِذ، السالِك إلى الله في كلِّ واد، الكادِح إليه من كلِّ طريق، فهو قد جعل وظائفَ عبوديّته قبلةَ قلبِه ونصب عينه، يؤمّها أين كانت، ويسير معها حيث سارَت، قد ضرَب مع كلّ فريقٍ بسهم، فأين كانت العبوديّة وجدتَه، إن كان علم وجدتَه مع أهله، أو صلاة وجدتَه في القانتين، أو ذكرٌ وجدتَه في الذّاكرين، أو إحسان وجدتَه في زمرةِ المحسنين، أو محبّة ومراقبة وإنابةٌ إلى الله وجدتَه في زمرة المحبّين المنيبين، يدين بدين العبوديّة أنَّى استقلّت ركائبُها، ويتوجّه إليها حيثُ استقرّت مضارِبها. وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن العبد السالكُ إلى ربّه، النافذ إليه حقيقةً نفوذًا يتّصل به قلبُه، ويتعلّق به تعلّقَ المحبِّ التّامّ المحبّةِ بمحبوبه، فيسلوَ به عن جميع المطالبِ سواه، فلا يبقى في قلبِه إلاّ محبّة الله ومحبّةُ أمره، فكان عاقبةَ ذلك أن قرّبه ربّه واصطفاه، وأخذ بقلبه إليه وتولاّه في جميع أموره، في دينه ومعاشه، ومَن ذاق شيئًا من ذلك وعرف طريقةً موصِلة إلى الله ثمّ تركها، فحياته عَجز وغمّ وحزن، وموته كدَر وحَسرة، ومعادُه أسفٌ وندامة، ذلك بأنّه عرف طريقَه إلى ربّه ثمّ تركها، ناكبًا عنها، مكِبًّا على وجهه، فلو نال بعض حظوظه وتلذّذ براحاته فهو مقيّدُ القلبِ عن انطلاقه في فسيح التّوحيد، وميادين الأنس، ورياض المحبّة، وموائد القرب، ومن أعرض عن الله بالكلّيّة أعرض الله عنه بالكلّيّة، ومن أعرض الله عنه لزِمه الشقاء والبؤسُ في أعماله وأحوالِه. وأوضح فضيلته أن المحروم من عرف الطريقَ إليه ثمّ أعرض عنها، أو وجد بارقةً من حبّه ثمّ سلِبها، ولم ينفذ إلى ربّه منها. وبين إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة عبدالله خياط أنّ الله إذا أقبل على عبدِه السالكِ إليه استنارت حياته، وأشرقت ظلمَاته، وظهر عليه آثارُ إقباله من بهجةِ الجلال ونضرة الجمال، وتوجّه إليه أهل الملأ الأعلى بالمحبّة والموالاة؛ لأنهم تبعٌ لمولاهم سبحانه، فإذا أحبّ عبدَه أحبّوه، الله قلوبَ أوليائه تفِد إليه بالودّ والمحبّة والرّحمة، وناهيك بمن يتوجّه إليه مالكُ الملك ذو الجلال والإكرام بمحبّته، ويقبل عليه بأنواع كرامتِه، ويلحَظ إليه الملأ الأعلى وأهلُ الأرض بالتّبجيل والتّكريم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
مشاركة :