محنة الكاتب العربي

  • 10/30/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كنت في مكتبة «دار الحكمة» بلندن قبل أيام، عندما بادرني صاحبها الناشر حازم السامرائي: «يا (أبو نايل)، لماذا لا تكتب لنا سيرة حياتك؟ سيكون هناك إقبال كبير على الكتاب. حيثما أعرض كتبك في مهرجانات الكتب، يتلقفها الجمهور وتنفد في سويعات. وكل الزبائن يسألون عنك، وعن حياتك. اكتب لنا سيرتك حتى ننشرها». فكرت في الأمر.. ثم قلت لنفسي: هذا مشروع سيتطلب مني عدة أشهر من العمل. وما ثمرتي منه؟ قلما يدفع الناشرون أي شيء للمؤلفين، بل يعتبرونها منّة منهم أن ينشروا لهم كتبهم، ففي أكثر الأحوال يكون المؤلف هو الذي يدفع للناشر أجرة لينشر له كتابه. يكتب وينشر الكتّاب الشباب طمعًا في الشهرة وأملاً في بناء مستقبل لهم، كالحصول على وظيفة. ويمضي الزمن ويصبح الشاب شيخًا فتنتفي هذه الحاجة. وهذه في الواقع هي المرحلة التي يمكن له فيها أن يخدم شعبه وحضارته بعد كل ما جمعه في حياته من معارف وخبرات وقدرات. ولكن لا يبقى هناك الحافز لإضاعة الوقت وبذل الجهد وإرهاق المخ. يسأل نفسه - كما سألت نفسي - لماذا أتعب روحي وأضيع وقتي؟ أليس الأفضل لي أن أجلس وأستمتع بالموسيقى والأفلام وأخرج لأتمشى على شاطئ النهر وأتسلى بمحادثة الأصحاب في المقهى؟ لماذا يضيع وقته في إنتاج شيء لا يتلقى من ورائه، في كثير من الحالات، أي مردود غير الشتائم والتجريح، وربما العقاب والاعتداء والسجن؟ هذه ليست محنة الكاتب فقط، بل هي محنة كل شعوبنا العربية. ففي الوقت الذي يصل فيه الكاتب أو العالم أو الفنان لمرحلة النضوج والقدرة على الإبداع والإثراء، يتوقف عن العمل. لا لوم هنا على الناشرين؛ فأكثرهم يعانون من شظف المورد وضيق السوق وقلة المبيعات.. كثيرًا ما يتحملون خسائر عن نشر الكتاب، لا سيما بعد ارتفاع تكلفة الورق والطباعة. هذه محنة مشتركة يعاني منها الكاتب والناشر والموزع والبائع. السوق ضيقة وكاسدة بسبب الأكثرية الأمية. ولكنها ليست العائق الوحيد. لا توجد حتى بين المتعلمين عادة اقتناء الكتب وإهدائها للآخرين في المناسبات. الهدايا عندنا ذهب وجواهر، أو بقلاوة وشوكولاته، أو خروف أو تنكة زيت. لم نكتسب بعد تقاليد الغرب في احترام الكتاب هديةً وجزءًا من محتويات البيت وإرثًا للعائلة. لم تكتسب نساؤنا عادة القراءة للأطفال قبيل نومهم. ينتظر الأصحاب من المؤلف أن يهديهم كتابه، بدلا من شرائه. نشرت ما يقرب من أربعين كتابا، أكثرها بتمويل من الحكومات والمؤسسات. هذا ما يعتمد عليه اليوم الكتاب والباحثون. ولكن الاعتماد على الدولة لا يعطي الكاتب المفكر والمبدع، الفسحة الكافية للتفكير الحر والاستنباط والإبداع وقول ما يريده. تنهض الأمم وتنمو بفضل الفكر والبحث. وكله يعتمد على الكتاب. كل النقلات الخطيرة في تاريخ البشرية انطلقت منه. الكتب السماوية، العقد الاجتماعي، ثروة الأمم، نظرية التطور، رأس المال.. إلخ. تجسم محنة الكاتب والكتاب عندنا محنة أمتنا ومستقبلها.

مشاركة :