يعد تتويج الروائي عبدالرزاق سالم قرنح بجائزة نوبل للآداب حدثًا غير عاديًا، وخاصة عندما تكون شخصية الحاصل على جائزة نوبل غير متوقعة من قبل المتابعين والمهتمين بالشأن الثقافي والأدبي في العالم الذين كانوا يعولون على أسماء عالمية كبيرة معروفة مرشحة لنيل جائزة نوبل للآداب. فالناظر في حياة وتحولات الروائي عبدالرزاق سالم قرنح سوف يستنتج حكاية إنسان عصامي أعتمد على ذاته في تكوين مستقبله وفكره، وهذا نتاج ثقافات متعددة من أصوله العربية إلى انتمائه الإفريقي إلى حياته التعليمية في بريطانيا. فحياته مضت بصعوبات منذ التطهير العرقي للعرب في زنجبار عام 1964 وهروبه من مسقط رأسه إلى بريطانيا ليعمل في مهن متواضعة ومع حثه على التحصيل العلمي وممارسته للكتابة في سن مبكرة. فكل حكايته وحياته لم تدون بعد ولا أحد يعرف عنها الكثير، فهو الملم بها وبكل تفاصيلها ولعله سيكتب سيرته الذاتية يوماً ما وسيعرف القارئ كيف يبني الإنسان مجده ليس بالمنطقة التي يعيش فيها بل بالإنسانية التي تتعمق في أعماق روحه. فالكاتب إنسان قبل كل شيء وهويته هي الإنسانية، والروائي قرنح يكتب عن الإنسان المهمش في إفريقيا الذي يواجه الموت داخل وطنه وخارج وطنه يهمش بسبب لون بشرته. فعندما أتمعن في صورة عبدالرزاق قرنح أرى في تقاسيم وجهه جغرافيا متعددة الجذور، منها الإفريقية والعربية، وكذلك الأوروبية. عدة ثقافات تتبلور في كيانه فهو ينتمي إلى الإنسانية قبل أن ينتمي إلى أي وطن آخر والإنسانية هي التي قادته إلى العالمية. فالرواية تكتب لكل إنسان فلا جغرافيا لها، فهي عالمية ولذلك تتوج في كل المحافل بأجمل الصور وأرق المعانٍ. فعند إهداء الكاتب عبدالرزاق قرنح فوزه بجائزة نوبل للآداب لإفريفيا فهو يهدي الفوز لشخصياته الروائية الإفريقية المهمشة والتي تعيش الآن عدة مراحل بعد فوزه الكبير بنوبل للآداب. فأفريقيا أمة عظيمة تستحق كل الاحتفاء بعد كل الاضطهاد والعبودية التي تعرضت لها ولإنسانها. وبهذا الفوز يكرم قرنح الأديب العصامي والذي يعد تكريمًا لكل أديب عصامي يتطلع إلى المستقبل برؤية إنسانية يعيد عالمه وعوالم شخصياته الأدبية بشكل إبداعي وبحياة مختلفة لكي يفيق العالم من الغيبوبة التي يعيشها ويسعى إلى السلام بدلًا من اشعال نيران الحروب التي أنهكت الإنسان ونالت من كرامته وتهدد مستقبله ومستقبل العالم أجمع. فبهذا الفوز النوبلي الكبير للروائي الإفريقي عبدالعزيز قرنح تعد صفعة لكل عنصري مقيت في هذا العالم وهي رسالة عالمية تناصر ضحايا العنصرية، وتواسي كل إنسان تعرض للتهميش والنيل من إنسانيته. فضحايا العنصرية والحروب هم من سيقودون العالم يومًا ما نحو مستقبل مشرق، فهم الأكثر ألمًا وتجربة من غيرهم ولهذا حان للعالم أن يسمع صوتهم الإنساني وحنينهم الأبدي للوجود.
مشاركة :